ليست المرة الأولى التي تعلن فيها دول غربية استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولكن بلا شك أن موقف كل من أميركا وبريطانيا في الإعلان عن الاستعداد للاعتراف بالدولة الموعودة، يحمل مؤشراً مهماً، إنما بشرط إيجاد إطار سياسي عملي له.
من هنا، تقع المسؤولية على الدول العربية، وخصوصاً الدول التي تشترط إقامة دولة فلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم كاملة للدخول في أي اتفاقات سلام أو تطبيع. بهذا المعنى، تعيد الحرب على قطاع غزة القضية الفلسطينية إلى “المسؤولية العربية”، خصوصاً أنه لا يمكن إيجاد أي حل فلسطيني من دون العرب، ولا سيما السعودية، التي كانت قد دخلت في مفاوضات تطبيع وسلام قبل “طوفان الأقصى”، فعادت وتأخرت أو تعثرت بنتيجة ما حصل.
أفخاخ كثيرة
لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تصر على المضي في اتفاقيات السلام والتطبيع. وفي المقابل، هناك شرط عربي لا بد من التمسك به، وهو ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والثبات على موقف ضرورة إنشاء الدولة. مع العلم أنه لا يظهر أي تصور واضح لكيفية بناء الدولة وعلى أي جغرافيا، في ظل سياسة التهجير التي انتهجتها إسرائيل في قطاع غزة، وفي ظل الإصرار على سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، التي يحتلها 25 بالمئة من المستوطنين.
قد تنطوي الطروحات الغربية الأميركية، حول حل الدولتين، على أفخاخ كثيرة. وقد يعاد معها السيناريو نفسه الذي تبع اتفاق اوسلو الذي لم تلتزم به إسرائيل، لا بل أصرت على تجاوزه وتخطيه وضربه، وصولاً إلى الانفجارات المتتالية التي حصلت. هنا ثمة فخ غربي وأميركي يمكن أن يكون منصوباً للمرحلة المقبلة، وهو العمل على اعتراف بدولة فلسطينية على الورق، من دون أي اساس عملي، وبشكل لا يتيح للفلسطينيين ممارسة سلطتهم على دولتهم، أو حتى قيام دولة على “لاجغرافيا”. وبالتالي، يكون الاعتراف بالدولة، مجرد باب لاتفاقات تنهي الحرب في غزة بمعناها الذي تريد الدول الغربية. أي القضاء على حركتي حماس والجهاد عسكرياً، ونزع أسلحتهما وقدراتهما لصالح الحل السياسي، وإعادة تشكيل قيادة فلسطينية أو إدخالهما إلى منظمة التحرير، وسط جو دولي واضح يرفض التعاطي أو التعامل مع حماس (والجهاد الإسلامي ضمناً).
تفكيك “وحدة الجبهات”
بعدها، تجد هذه الدول الغربية نفسها معنية بالاستمرار بممارسة سياسة تفكيك “وحدة الجبهات”، التي كان قد تحدث عنها الإيرانيون سابقاً. فتسعى واشنطن إلى ترتيب نوع من التفاهم مع طهران على مستوى المنطقة، وتفاهمات مع حزب الله في لبنان، ومع الفصائل العراقية الموالية لإيران في العراق وسوريا، بالإضافة إلى البحث عن حل لأزمة الملاحة في البحر الأحمر، ربطاً باتفاق أوسع مع إيران.
وهذه ستكون بنتيجة الإعلان عن هدنة طويلة الأمد في غزة، ووقف العمليات العسكرية. فتنطلق المفاوضات وتتفعّل، فيما لا تتخلى إسرائيل على المدى الأبعد عن سياسة التهجير وسياسة إفراغ غزة من أي مقوم من مقومات الحياة، مع جعلها منطقة توتر وتهديد للأمن القومي العربي والمصري تحديداً. بالإضافة إلى استمرار سياسة الضغط التي لن تسمح لأي طرف بالعمل في سبيل إعادة إعمار غزة، كما هو الحال بالنسبة سوريا، التي انتهت فيها العمليات العسكرية منذ سنوات، من دون تغيير الواقع أو الدخول في أي مسار سياسي أو إعماري.
عملياً، أصبح الهدف الغربي واضحاً، وهو إعادة التفاهم مع إيران على عدم التصعيد في المنطقة. بالإضافة إلى فكفكة الجبهات المتضامنة أو المناصرة لغزة، وصولاً إلى إعادة فتح مسار التطبيع العربي الإسرائيلي، انطلاقاً من الهدنة أو وقف إطلاق النار. ولكن من دون توفر أي شروط من شروط بقاء الناس في غزة. وهذا من شأنه أن يبقي المنطقة وفلسطين بالتحديد منطقة قابلة لاستمرار “الصراع الأبدي”، والذي لن ينتهي في ظل استمرار السياسات نفسها.