مع صعوبة عقد طاولة حوار للقيادات المسيحية في بكركي كما اقترح رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، يملأ البطريرك بشارة الراعي الفراغ المسيحي بعقد طاولة مستديرة في الصرح تجمع ممثّلين عن الأحزاب المسيحية للتحضير لوثيقة سياسية وطنية يفترض أن تُعلَن عند نضوجها.
ليست المرّة الأولى التي تجمع فيها بكركي المسيحيين، لكنّها المرحلة الأخطر. فمنذ نحو عقد من الزمن، اجتمع الرباعي المسيحي: ميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميّل في بكركي، من أجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، مع اقتراب ولاية ميشال سليمان من نهايتها في عام 2014. غير أنّه باتت المخاوف اليوم أكبر، إذ للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، يصبح مصير المسيحيين في خطر كياني، لا وجودي، خصوصاً لجهة التأثير في سياسات البلاد.
منذ نحو 50 عاماً كانت اجتماعات المسيحيين تحت غطاء بكركي تتمّ إمّا لتوحيد الجهود العسكرية في حرب لبنان أو لنقاش أمر سياسي على مستوى وطني، بالتزامن مع إمساكهم بالبندقية. اليوم لا بندقية ولا صلاحيّات ولا اتفاقات بينهم. وهو ما يجعل من مبادرة بكركي، محاولة أخيرة لصياغة رؤية مسيحية موحّدة، تتحوّل في أفضل الأحوال إلى رؤية وطنية.
لقاء ممثّلي الأحزاب في بكركي
منذ حوالي أسبوعين اجتمع في الصرح البطريركي ممثّلون عن الأحزاب المسيحية: النائب فادي كرم عن القوات اللبنانية. النائب جورج عطالله وأنطوان قسطنطين عن التيار الوطني الحر. مستشار رئيس حزب الكتائب ساسين ساسين. حبيب مالك عن حركة مشروع وطن الإنسان بما له من علاقة مع قيادات مارونية كسروانية. وإدوار طيون عن حركة الاستقلال.
الاجتماع الأوّل سيلحقه اجتماع ثانِ اليوم الخميس في الصرح حيث سيبدأ النقاش الذي يفترض أن ينضمّ إليه ممثّل عن المردة في بنود الوثيقة المقبلة. مصادر سياسية قالت لـ”أساس” إنّ المبادرة بدأت من بكركي منذ حوالي ثلاثة أشهر. بدأها المطران أنطوان أبي نجم الذي قام بجولات ولقاءات ثنائية مع القوى المختلفة تحضيراً لجمعها حول طاولة بكركي.
ليست المرّة الأولى التي تجمع بكركي المسيحيين، لكنّها المرحلة الأخطر. فمنذ نحو عقد من الزمن، اجتمع الرباعي المسيحي
نجح مسعى المطران أبي نجم الوصول إلى أرضية مشتركة وضعها في لقاء أول رأسه البطريرك وحضره المطرانان بولس الصياح وبولس مطر.
وبحسب مصادر سياسية لـ”أساس”، حاول أبي نجم التواصل مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ليكون ممثَّلاً في الاجتماع الأول قبل أسبوعين، لكنّه لم ينجح. إلا أنّه نجح في دعوته إلى الاجتماع الثاني على أن يحضر ممثّل عن المردة اليوم في الاجتماع.
ما هي الوثيقة السياسيّة؟
الهدف من هذه الاجتماعات محاولة الوصول إلى إجماع على عدد من العناوين لطرحها لاحقاً كوثيقة وطنية على كلّ القوى. ولذا، حرصت بكركي على أن لا تنحصر الوثيقة بالقوى المسيحية لأنّها تبقى مبتورة. هذا الموقف عبّر عنه كذلك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في خطاباته الأخيرة. وذلك لأنّ أيّ محاولات لإعلان بطريركي لوثيقة مسيحية سيعمّق الشرخ الوطني لا العكس. وعليه سيتناول المجتمعون عناوين عدّة أبرزها:
1- احترام سيادة لبنان.
2- احترام الدستور وانتخاب رئيس.
3- احترام القرارات الدولية وتنفيذها.
4- رفض زجّ لبنان بالصراعات الإقليمية.
5- رفض حصول حروب الآخرين على الأراضي اللبنانية.
6- اللامركزية الإدارية الموسّعة.
7- التحقيق في تفجير المرفأ.
تحدّيات إصدار الوثيقة
كلّ بند من هذه البنود المطروحة يشكّل إشكالية تجدر معالجتها مع القوى المختلفة، لا سيما الثنائي الشيعي في المرحلة الراهنة. وتقول مصادر سياسية لـ”أساس” إنّ التحدّي الأوّل يبقى أن تتوصّل القوى المسيحية إلى اتفاق على الوثيقة. وتعتبر أنّ هذا الحوار هو اختبار نيّات لأنّ السلوك السياسي هو المكابرة في الإعلام والحوار في الأروقة خلف الأضواء.
تتجنّب القوى المعنيّة أن تتحدّث علناً عن هذا الحوار بعد طلب بكركي الصريح إبقاءه بعيداً عن الأضواء لضمان نجاحه
تتجنّب القوى المعنيّة أن تتحدّث علناً عن هذا الحوار بعد طلب بكركي الصريح إبقاءه بعيداً عن الأضواء لضمان نجاحه. ولكنّها تعتبر أنّه سيشكّل أرضية للقاءات على مستوى الصفّ الأوّل في الصرح في حال توصّلوا إلى نتائج جدّية في المراحل الأولى.
المحاولة الأخيرة
في محاولاتها المستمرّة منذ ما قبل الفراغ الرئاسي من الديمان، وصولاً إلى اليوم، تعتبر بكركي أنّها المرجع الأوّل الذي تقع عليه مسؤولية كبرى في زمن زادت فيه الأخطار على ما سمّاه يوماً الفاتيكان “هويّة لبنان”. إلا أنّ ذلك كلّه يبقى حبراً على ورق ما لم يترجَم عمليّاً في سعي مع القوى الداخلية المسيحية وغير المسيحية للخروج من المتاهة اللبنانية الحالية. فهل تنجح بكركي في عهدها هذا بعدما نجحت في عهد البطريرك الحويك في صياغة وثيقة وطنية يُبنى عليها لاحقاً؟