في السّياسة، كما في الحياة المعاصرة، عالمان: عالم افتراضي وآخر واقعيّ.
وباعتبار رئاسة الجمهوريّة هي الملفّ السّاخن فإنّ مواقع التّواصل والصّحف والشّاشات تضجّ بسيناريوهات وتخيّلات لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
فمنهم من يتحدّث باسم فرنسا ومنهم من يقرّر عن السّعوديّة وآخر يحلّل العقل الباطن للسّيد حسن نصرالله، والأكثر حنكة وخبرة ذاك الّذي يعرف مكنونات الرّئيس نبيه برّي ويتقن الغوص بين سطور مواقفه ليستخرج لنا ما خفي عنّا!
واللّطيف في الأمر أنّ برّي لم يسمع بكثير من هذه الأسماء، والأكيد حسب مصادر قريبة من عين التّينة أن لا شيء تغيّر منذ آخر تصريح أدلى به رئيس المجلس.
المواقف الخارجيّة على حالها: لا أميركا انقلبت ولا السعوديّة تغيّرت ولا فرنسا تراجعت، ما قيل قد قيل وما كتب قد كتب، والأمور تأخذ منحى تصاعديًّا إيجابيًّا يسعى إلى الضّغط باتّجاه الانتخاب قبل نهاية ولاية حاكم المصرف، ومهلة 15 حزيران الّتي حدّدها الرّئيس نبيه برّي تأتي في مقام الحثّ والتّنبيه ليتحمّل كلّ فريق مسؤوليّاته الوطنيّة.
الجديد الّذي أربك التّيّار الوطنيّ الحرّ ورئيسه جبران باسيل هو المواقف المقتضبة والحاسمة الّتي أعلنها السّيّد حسن نصرالله قبل يومين، فباتت الصّورة أكثر وضوحًا بعدما أكّد ما كان أعلنه الرّئيس نبيه برّي في مرحلة سابقة: «رشّحوا ولننتخب»..
أهميّة كلام السّيّد نصرالله أنّه جاء بعد التّطوّرات الأخيرة المحلّيّة والإقليميّة غير البعيدة عن المعركة الرّئاسيّة:
– عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة بدفع وضغط سعوديّ تحضيرًا للقمّة العربيّة الّتي يريدها الأمير محمّد بن سلمان استثنائيّة في شكلها ومضمونها، والحديث عن سفر الرّئيس الأسد قبيل انعقاد القمّة ولقائه وليّ العهد، ومن المحتمل أن يحضر الملفّ اللّبنانيّ على المائدة الثّنائيّة، فثمّة صوت عالٍ في المملكة يؤيّد عودة معادلة «سين سين بلس» إلى الحياة، بمعنى الاتّفاق السّعودي السّوري بحلّة جديدة تضمن أمن ومصالح البلدين انطلاقًا من انتظام واستقرار الأوضاع في لبنان.
– جولة السّفير السّعودي وليد البخاري والمواقف الجديدة الّتي أبلغها إلى المعنيين، وخصوصًا رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة سمير جعجع الّذي وجد نفسه خارج سرب التّفاهمات، وراح يبحث عن طوق نجاة فكاد أو يكاد يغرق في مستنقع باسيل ومرشّحه جهاد أزعور.
– حديث الديّبلوماسي الفرنسي لصحيفة «لوموند» عن تلقّي الرّئيس «ايمانيول ماكرون» موافقة وليّ العهد السّعودي على السّير بسليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة، هذا التّطوّر وضعه أحد المسؤولين المباشرين عن الملفّ الرّئاسيّ في خانة التّدرّج التّصاعدي في الموقف السّعودي الفرنسي الّذي سيصبّ في نهاية الأمر في صالح الوزير السّابق سليمان فرنجيّة.
– رفع سيف العقوبات في وجّه المعطّلين أو الّذين يهدّدون بالتّعطيل خلال الأسابيع القادمة، وهذا الّذي نقله السّفير وليد البخاري أمام كتلة الاعتدال الوطنيّ، فوصلت الرّسالة إلى الثّنائي الماروني الّذي أحسّ بضيق الوقت والخيارات فسارع إلى تكثيف التّواصل بغية الاتّفاق الإيجابي، ولكنّ المعلومات الواردة من طرفيّ التّفاوض تفيد بصعوبة المهمّة إن لم نقل باستحالتها.
رسالة السّيّد نصرالله وصلت إلى النّائب جبران باسيل الّذي كان يراهن على مسايرة الحزب له إذا اتّفق مع جعجع تحت حجّة مراعاة «المزاج المسيحي» لكنّ الموقف كان حاسمًا: سليمان فرنجيّة مرشّح طبيعي ولنا الحقّ كنوّاب بأن ندعم من نراه مناسبًا، وللمعارضة الحقّ في دعم من تشاء ولتأخذ العمليّة الدّيموقراطيّة مجراها.
وفيما يتخبّط التّيّار بين موقف باسيل السّابق بطرح اسم أزعور وبين المعارضة الشّديدة لاسمه داخل تكتّل لبنان القوي، تؤكّد مصادر قوّاتيّة «للّواء» أنّ موقف جعجع لم يحسم بعد، والبحث يدور حول أحد موقفين: إمّا تبنّي جهاد أزعور وإحراج التّيّار أمام حليفه حزب الله أو الجلوس على التّل والتفرّج على انطلاقة العهد الجديد من بعيد..
وفيما يخيّم جوّ من التّوتّر والقلق في أوساط قوى المعارضة تفاجأ نوّاب كتلة «تجدّد» بسيل الثناء والمديح الّذي أفاضه السّفير وليد البخاري على الرّئيس نبيه برّي واصفًا إيّاه بالحكيم والذّكي والمؤنس في جلساته وحواراته.