تلقّت عاصمة عربية كبرى رسالة عاجلة من واشنطن خلال الساعات الأخيرة تقول: “لقد نفد صبرنا الطويل على عناد وحماقات بنيامن نتنياهو”. فُهم ممّن نقل الرسالة أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد بدأت أخيراً اختراقاً سياسياً داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية. وذلك بفتح قناة اتصال قوية مع بيني غانتس، الجنرال المقرّب من واشنطن.
بدأت الاتصالات في كانون الأول الماضي. وأدّت إلى أوّل تصريح يعكس “رؤية مختلفة” صادرة عن غانتس. الوزير في مجلس وزراء حرب حكومة الائتلاف الوطني الحاليّة التي انضمّ إليها “لأسباب وطنية”. وذلك من أجل إظهار التضامن ضدّ ما سُمّي بعمليات “إرهاب 7 أكتوبر”.
جاء في التصريح ما يفيد استنكاره “لهؤلاء الذين يفتعلون المشاكل في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن”.
لم يسمِّ غانتس نتنياهو شخصيّاً في هذا التصريح. لكنّها كانت بداية تطوّر انتقاداته للرجل الذي “قرّر أن يفعل ما يريد دفاعاً عن مصالحه الشخصية. حتى لو كان ثمن ذلك العلاقة بينه وبين إدارة بايدن”.
نتانياهو: سأروّض بايدن
تأكّد غانتس من ذلك حينما ذكر نتنياهو أمامه شخصياً في اجتماع مهمّ لمجلس الحرب الوزاري: “إنّني وحدي القادر على ترويض إدارة بايدن. وهناك استحالة أن تنجح هذه الإدارة في ممارسة ضغوط عليّ في الحرب على حماس”.
نقلت واشنطن إلى غانتس مؤخراً: “نحن بحاجة إلى لقاء عاجل معك في واشنطن لإنقاذ صفقة الهدنة والرهائن والمساعدات لأنّنا توصّلنا إلى نتيجة مؤلمة. وهي أنّ نتنياهو لا يتصرّف بشكل عاقل أو منطقي. بل يتعمّد بشكل مدمّر تخريب أيّ صفقة نتقدّم بها إليه”.
بناء عليه فوجئ نتنياهو بقيام بيني غانتس بإخطاره شفهياً باعتزامه السفر إلى واشنطن في غضون ساعات. وهو ما أثار غضب نتنياهو الشديد. وتسرّب عنه ما يلي: “رئيس الوزراء لم يوافق على مبدأ الزيارة لأنّ اللوائح الحكومية تلزم كلّ وزير أن يحصل مسبقاً على موافقة رئيس الحكومة مع إقرار لبرنامج الرحلة”.
نتنياهو : إنّني وحدي القادر على ترويض إدارة بايدن. وهناك استحالة أن تنجح هذه الإدارة في ممارسة ضغوط عليّ في الحرب على حماس
تُرجم غضب نتنياهو الشديد في التسريب المنسوب للرجل حينما صرّح للمقرّبين منه: “رئيس الحكومة أوضح للوزير غانتس أنّ دولة إسرائيل لديها رئيس حكومة واحد فقط هو بيبي نتنياهو”.
سوف يبدأ غانتس لقاءاته في واشنطن بعد ظهر اليوم (الإثنين) مع نائبة الرئيس كامالا هاريس. كما سيلتقي بعد ذلك كبار أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
حسب التأكيدات الصادرة من مكتب غانتس نفسه فإنّ الرجل سوف يلتقي أعضاء لوبي “إيباك” الداعم لإسرائيل. وهو مركز التأثير الأهمّ في العلاقة الخاصة بين تل أبيب وواشنطن.
واشنطن فقدت صبرها الاستراتيجي؟
هنا يأتي سؤال المليون دولار: هل ما تقوم به واشنطن الآن هو بالفعل إعلان نهائي لفقدان الصبر الاستراتيجي على سياسات نتنياهو؟ أم أنّ إدارة بايدن اختارت أن تمارس لعبة ضغط نفسي على سلوك نتنياهو المتفلّت في هذا التوقيت الزمني الذي حدّدته قبل رمضان لإنجاز اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى والتهدئة؟
باختصار، السؤال هو: ما نشهده هو نهاية رهان إدارة بايدن على نتنياهو؟ أم محاولة تليين عبر التلويح بالرهان على رئيس وزراء جديد قادر، حسب الاستطلاعات الأخيرة، على أن يهدم التحالف الحالي ويدفع نحو حكومة جديدة؟؟
هناك سؤال آخر: هل يملك بيني غانتس من الخبرة والقوّة ما يكفي ليلعب هذا الدور؟
الرجل هو جنرال محترم. درس العلوم العسكرية وحصل على بكالوريوس وماجستير في التاريخ والعلوم السياسية. وتقلّد عدّة مناصب عسكرية مهمّة في مواجهات عسكرية مهمة على جبهات الضفّة الغربية ولبنان والانتفاضتين الأولى والثانية وكلّ المواجهات العسكرية في غزة. والرجل له خبرة في عمل الكنيست كعضو ورئيس للكنيست.
غانتس سوف يلتقي أعضاء لوبي “إيباك” الداعم لإسرائيل. وهو مركز التأثير الأهمّ في العلاقة الخاصة بين تل أبيب وواشنطن
باختصار الرجل لديه ملفّ من المميّزات العسكرية والسياسية التي تؤهّله لدور مهمّ ومميّز من المنظور الأميركي.
ما يتردّد أنّ كبار مساعدي بايدن وصلوا إلى قناعة راسخة. وهي أنّ استمرار سياسات نتنياهو في “العناد السياسي والتصعيد والتخريب لكلّ اتفاق سياسي ممكن” قد يفيده في تدعيم شعبيّته في صفوف تيّار اليمين الديني المؤتلف معه. لكنّه بالتأكيد أصبح يشكّل ضرراً بالغاً على شعبيّة الرئيس بايدن في معركته الرئاسية وفي مكانته أمام حلفائه في أوروبا والشرق الأوسط.
من هنا تتعيّن المتابعة الدقيقة لنتائج زيارة غانتس لواشنطن وسلوك إسرائيل طريق المفاوضات هذا الأسبوع. وذلك للإجابة على السؤال الكبير: استمرار نتانياهو في ممارسة سياسة حافة الهاوية في المفاوضات؟ أم تراجع بيبي وتمرير مشروع الاتّفاق الحالي؟