الرئيسيةمقالات سياسيةبايدن بدأ في الشرق الأوسط معركة 2024

بايدن بدأ في الشرق الأوسط معركة 2024

Published on

spot_img

فجأة، استنفرت الولايات المتحدة قواها في الشرق الأوسط وصرخت بالجميع: «الأمر لي!». وهكذا، تبدّل المشهد السياسي والعسكري سريعاً، وعاد التوتر. ولكن، على الأرجح، لن يجرؤ أحد على إعلان الحرب. فالعالم لا يتحمّل حربين في آن معاً: الشرق الأوسط وأوكرانيا.

مع نهاية العام الجاري، يدخل الرئيس الأميركي جو بايدن مناخات التحضير لمغادرة في البيت الأبيض أو للبقاء فيه أربع سنوات أخرى. وسيصل بايدن إلى نهاية ولايته في 20 كانون الثاني 2025، أي بعد نحو عام ونصف العام من الآن، وهذا الاستحقاق يضعه أمام تحديات سياسية مهمة. وفي اعتقاد العديد من الخبراء أن الرئيس الأميركي، البالغ اليوم 81 عاماً، سيبذل جهوداً متزايدة لإظهار قدراته داخلياً وخارجياً مع اقتراب موعد الانتخابات.

في الداخل، استفاد الرئيس الديموقراطي من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها سلفه دونالد ترامب، والتي قوبِلت باستياء حتى في أوساط الحزب الجمهوري. وسيبني بايدن على نجاحه، خلال العامين ونصف العام الماضيين، في خفض معدل البطالة من 14% إلى ما دون الـ4%، وهي النسبة الأدنى منذ 50 عاماً. وكذلك، تقديمات إدارته على المستويين الاجتماعي والصحي، إضافة إلى تشجيع التكنولوجيا المستقبلية ودعم البرامج الرامية إلى الحد من الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ.

لكن التحدي الأكبر سيكون في السياسة الخارجية حيث تميّز عهد بايدن بالنجاحات كما بصدمات الفشل. ومن أبرز نماذج الفشل الخروج المثير للجدل من أفغانستان في 11 أيلول 2020، ذكرى الهجوم الكارثي على برجَي التجارة العالمية في نيويورك.

لكن بايدن، في المقابل، نجح في إعادة ربط الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين، واكتساب ثقتهم التي اهتزّت كثيراً في عهد ترامب. وقد جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لثبت هذا النجاح، إذ تجاوزت المساعدات الأميركية لكييف الـ 70 مليار دولار حتى اليوم.

وثمة من يعتبر بايدن ثعلب السياسة الخارجية العتيق. وعلى خلاف ما يبدو عليه شكلاً، أي ثقيل الخطى وقليل الكلام وصاحب نبرة هادئة، فهو يرسم الخطط الخارجية الدقيقة وينفذها بلا ضجيج. وفي هذا، هو نقيض ترامب. وهناك من يعتقد أن الولايات المتحدة هي اليوم الطرف الأبعد عن نار الحرب الدائرة في أوكرانيا، فيما روسيا وأوروبا تتكبدان أكبر الخسائر.

ووسط الانشغال الروسي بهذه الحرب، بدت الولايات المتحدة مستعدة للتفرغ كي تواجه الصين الطامحة إلى التمدد سياسياً واقتصادياً عبر آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. والتحدي الأكبر الذي واجهته إدارة بايدن كان «انفلات» الحليف السعودي «من اليد الأميركية» وإبرامه اتفاقاً مع إيران، في بكين وتحت رعايتها.

كان التحدي مزدوجاً لواشنطن: الصين وإيران. وفي المبدأ، التطبيع السعودي – الإيراني لا يستثير حفيظة بايدن كثيراً، لأنّ استراتيجيته قامت أساساً على ضرورة التفاهم مع طهران، مقابل الحذر من روسيا ووضع ضوابط للعلاقة مع المملكة العربية السعودية. فهو في هذه المسألة أيضاً نقيض ترامب الذي كان صديقاً لموسكو وخصماً لإيران ويرغب دائماً في التفاهم مع المملكة.

ولكن، عملياً، انقضى أكثر من نصف ولاية بايدن من دون اتفاق مع إيران. وها هو يقف مجدداً «على خاطر» المملكة. وكما نصحه الديبلوماسي المحنك هنري كيسنجر في بداية حرب أوكرانيا، هو يتحرك لقطع الطريق على الصين وطموحاتها التوسعية، لأن رسم الخطط الكفيلة بالحد من هذه الطموحات يبقى أسهل من المواجهات الشرسة التي ستُفرض على الأميركيين لاحقاً.

وتحت هذا العنوان، تدخّلَ بايدن مع الرياض لدفعها إلى التراجع عن اتفاق بكين، والأصح لإبعاد المملكة عن الصين. ويتحدث المتابعون عن صيغ عدة يمكن أن يكون الأميركيون قد طرحوها على الرياض لكي تتجاوب مع هذا المسعى، وأبرزها التعهد بتقديم كل أنواع الدعم التي تحتاج إليها سياسياً وعسكرياً حفاظاً على استقرارها وأمن الخليج عموماً. فالسعوديون كانوا يشعرون بالاستياء لأن واشنطن تلكأت مراراً عن تقديم أي دعم فاعِل عندما تعرّض الخليج لضربات إيران والحوثيين.

وفي أي حال، هناك من يتحدث عن مصالح حيوية ما تزال تربط الرياض بواشنطن، ولا يمكن للسعوديين أن يغامروا بالتفريط بها مقابل مد الجسور مع الصين. وبالتأكيد ليس في قدرة الصين أن تنافس الولايات المتحدة في مجال التقديمات. ولذلك، من البديهي أن يفضل السعوديون العودة إلى الحضن الأميركي إذا حصلوا على الضمانات المناسبة.

يريد بايدن أن يقول للناخب الأميركي إنه «استعاد» الحلفاء في أوروبا والأطلسي والشرق الأوسط والخليج العربي، وأنه تمكّن من إضعاف الروس وإبعاد الخطر الصيني وإبقاء إيران «على النار» بحيث لا يمكنها الانفتاح على أي دولة في محيطها إلا إذا حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.

بهذا النهج، ستظهر واشنطن قوية، ما سينعكس ارتياحاً داخل الرأي العام الأميركي، ويتيح للرئيس المرشح أن يقطف الثمار، فيرفع من رصيده عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، خريف العام 2024.

إذاً، إنه «الكاوبوي» الأميركي، وقد قرر المنازلة، والشرق الأوسط هو ميدانه. ولذلك، سيبقى الإقليم في وضعية التوتر والإرباك حتى انتهاء المعركة.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...