الرئيسيةمقالات سياسيةبانتظار لغة الحزب.. الصينية

بانتظار لغة الحزب.. الصينية

Published on

spot_img

الحديث السائد في البلد.. هو عن التعطيل. المنابر تضجّ بالحديث عن معطّلين لا تُعلَن هويّاتهم. في الأثناء نجتهد، نحن اللبنانيين، في محاولة معرفة الطرف المعطّل ونوازعه. لكنّ هذا الاجتهاد لا يصل إلى شيء، ولا يغيّر في الوقائع أيّ شيء. ذلك أنّ حدوداً صفيقة ومعازل صارت تفصل بين القوى المتنازعة. أمّا محاولات كسر الدائرة المفرغة التي تبادر إليها خطابات التحذير من الحال القائمة لا تبدو مجدية على الإطلاق. مجموع القوى هذه كانت متشاركة في الحكم، وستعيد ذلك مستقبلاً، لكن حتى الآن لا يبدو شيءٌ مجدياً.

ولاءات وإخضاع

أكثر المنابر ضجيجاً هي منابر حزب الله التي صمّت آذان اللبنانيين بالحديث عن “وحدة وطنية” هي كانت قد صدّعتها، وأساساً لا جمهور لها راهناً في ظلّ غلبة أمنيّة وعسكرية وسياسية يمارسها حزب الله نفسه.

سياسات الحزب منذ عام 2005 حتى اليوم جعلت القوى السياسية وجماهيرها رافضةً للرأي الآخر. هذه القوى لم تعُد ترى في الآخر شريكاً في الوطن. وما يحصل فعليّاً الآن هو تعطيل عميق للعيش المشترك. وإيصاله إلى هذا المفترق الخطير ستكون نتائجه وخيمة على الجميع وعلى فكرة الشراكة الوطنية، وحتى على لبنان.

لا أحد منع “حزب الله” وبيئته من الانقلاب على لبنان. أساساً لا أحد يجرؤ على ذلك، ولا أحد أراد ركوب مغامرات عسكرية تأتي على ما بقي من سلم أهليّ. فالحزب على ما كان يردّد على الدوام النائب السابق إميل رحمة “قادر ومقتدر”

هل يتغيّر هذا كلّه بعد اتفاق بكّين بين إيران والسعودية برعاية صينية؟

ما لم يكن حزب الله يريد أن يراه هو أنّ البلد في مأزق واضح للجميع. سلوك كهذا يضع البلد أمام محن صعبة يختبرها اللبنانيون يوميّاً. ذلك أنّه، بما يملك من موارد ومصادر قوّة ونفوذ أمنيّ وقدرات عسكرية يسخّرها للتعاطي مع “الآخر” بوصفه خصماً لدوداً، يريد من اللبنانيين العيش بموجب توجيهاته وولاءاته، وهي إيرانية بالتعريف. وسلوك كهذا يُسقط كلّ جدّية كلامه عن رغبته في تجسير الهوّة مع الطرف المقابل، لأنّ حراكه مصحوب دائماً بمسبقات ومطلقات، لا قِبل لأحد بتذليلها إلا في حالة واحدة: أن يتراجع هو نهائياً عن سياسة الاستقواء وأن يستوي مع سائر اللبنانيين .

فهل تدخل الرياح الإقليمية الجديدة وتضفي بعض البرودة على منطقه هذا؟

مساواة مستحيلة

والحقّ أنّ هذا مطلب عزيز المنال على اللبنانيين، إذا ما أُخذ على المحمل السياسي. ذلك أنّ جلوس الجميع كمتساوين هو أمر لم يكن وارداً عند الحزب. واليوم لا أحد يأمل عقد أيّ تسوية سريعة. لكن بالطبع لن تبقى النتيجة هي نفسها كما كانت: فالشراكة في الإقليم تستوجب العودة إلى الاعتراف بحقّ للّبنانيين في إعادة الاعتبار “لديمقراطيّتهم المُقيّدة”، وحقّهم في إعادة الوصل مع المجتمعَين العربي والدولي.

حتى الأمس كان الحزب عبئاً وثقلاً على لبنان. فقد راكم مصادر قوّته من ضعف الآخرين، وهو ما أنتج مشهداً بالغ القتامة. وكانت أقسى تجلّياته ابتداع الثلث المعطّل في مؤتمر الدوحة بعد 7 أيار 2008، ثمّ نقل ميشال عون من الرابية إلى القصر الجمهوري في بعبدا. وعلى هذه المعادلة نشأ ميزان دقيق أظهر الدولة عاجزة وغير قابلة للحياة.

التعطيل الذي صنعه حزب الله لم يكن كما بدا في بداياته أنه ضدّ قرارات حكومية بعينها. فلسان حاله يقول نحن نملك القوة الأمنية والعسكرية والسياسية لنعطّل البلد كلّه: فإمّا أن يسير لبنان كما نريد ويتحوّل أرضاً معادية للغرب وللعرب، وإمّا أنّه لن يخطو خطوة واحدة إلا إلى الوراء.

أكثر المنابر ضجيجاً هي منابر حزب الله التي صمّت آذان اللبنانيين بالحديث عن “وحدة وطنية” هي كانت قد صدّعتها، وأساساً لا جمهور لها راهناً في ظلّ غلبة أمنيّة وعسكرية وسياسية يمارسها حزب الله نفسه

العالم هو إيران وسوريا

لا أحد منع “حزب الله” وبيئته من الانقلاب على لبنان. أساساً لا أحد يجرؤ على ذلك، ولا أحد أراد ركوب مغامرات عسكرية تأتي على ما بقي من سلم أهليّ. فالحزب على ما كان يردّد على الدوام النائب السابق إميل رحمة “قادر ومقتدر”. وهو إن التزم بعدم تفجير البلد فمنّة منه للمحافظة على بعض ماء الوجه. وإن لم يلتزم كما فعل مراراً فهو يفعل ما يفعله عملاً بمقتضيات “الصراع الكيفيّ مع إسرائيل”.

أما اليوم فاحتلف المنطق الإقليمي.

المنطق يقول إنّ الأمين العام للحزب سيتوقف عن إلقاء الخطب الخلافية مع كلّ العالم، وإكثار الثناء والحمد لإيران وسوريا قد يضاف إليهم شكر السعودية، على هوى “شكراً” قطر ذات 2008.

لبنان في الأصل والأساس لا يحتمل أعداء إضافيين. أحياناً يدفع غُرْم صداقاته. الصداقات اللبنانية مكلفة مثلها مثل العداوات. هل من إساءة حين نقول إنّه بلد صغير، ثانوي ومسالم. اللبنانيون أنفسهم مصابون بلعنة ثانويّتهم. وهم يبحثون دائماً عن أدوار أكبر من طاقة البلد على احتمالها. ذات مرّة نصّبوا أنفسهم دولة محاربة نيابة عن كلّ العرب. حصل ذلك باتفاق القاهرة.

السيّء في الحال اللبنانية أنّ الممانعين، ومن دون أن يرفّ لهم جفن، كانوا يعلنون ليل نهار أنّ الولايات المتحدة الأميركية مهزومة ومربَكة من لبنان إلى أفغانستان. لقد بلغت البلاهة السياسية حدّ تسيير تظاهرة سيّارة في شوارع بيروت ترفع الأعلام الروسيّة. حسناً أميركا مهزومة ولبنان منتصر: الولايات المتحدة التي تتفوّق قوّةً واقتصاداً على قارّات صارت مهزومة!

الممانعون مقتنعون بأنّ أميركا مهزومة. والأمين العام للحزب مقتنع بأنّه منتصر على أميركا ومعها كلّ الغرب، مقتنع بأنّ لبنان يستطيع تحمّل كلفة هذا النصر، وأنّ المقبل من أيّام هو للصين حيث معدّل الدخل الفردي يكاد يتماثل مع مثيله في لبنان وسوريا وإيران .

اليوم وصلت الصين إلى ديارنا السياسية.

وها نحن ننتظر لغة حزب الله الجديدة.

أحدث المقالات

جهاد ازعور رئيسا؟! too good to be true

خارج الثلاثي الشهير المرشح لرئاسة الجمهورية (النائب ميشال معوض، قائد الجيش جوزف عون والوزير...

مخاوف أمنية من استمرار الوضع المتأزم

أبدت مصادر أمنية خشيتها من استمرار الوضع المتأزم الذي قد يعزز المخاوف من عمل...

إيلاف الموارنة.. أبعد من الشتاء والصيف

كانت الكنيسة المارونية صريحة في توصيف اعتراضها على إرجاء التوقيت الصيفي على حقيقته، بوصفه...

«دوحة جديدة» في القاهرة بمشاركة إيران؟

فيما آفاق التسويات تبدو مسدودة تماماً منذ بداية العام الجاري، سرت في نهاية الأسبوع...

المزيد من هذه الأخبار

مصادر «المرده» لـ«اللواء»: فرنجيه مرشح طبيعي وأسهمه ما زالت مرتفعة وسيُعلن برنامجه قريباً

مع استمرار الترقب الداخلي لما ستؤول اليه التطورات الإقليمية في ضوء الاتفاق السعودي-الإيراني وزيارة...

شيا تكرّر: سنتعامل مع فرنجيه رئيسا

ليس صحيحاً أن الجمود يكتنف مساعي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأدقّ القول إن هذه...

واشنطن: في لبنان ممنوع أن تتجاوزنا الرياض

قد تتحمّس السعودية لتسوية ما في ظل الحوار السعودي - الإيراني. لكن التسوية والحوار...

الراعي يعالج «المرض الماروني» بالصلاة: قد تفعل الأعاجيب!

بعد استِنفاد حراكه في اتجاه القوى المسيحية، بالموفدين الروحيين المُحمّلين برسائل «نصح»، وجدَ البطريرك...

كيف سيُسدّد ثمن سليمان فرنجيه؟

رغم تمنيات حلفائه، لم يعقد رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجيه، إلى الآن مؤتمراً صحافياً...

هل تستدرك باريس مقاربة فرنجيه – سلام بعد الانتقاد؟

الإقفال الرئاسي على حاله، فيما تبدو الدينامية الخارجية أوسع مدى من تلك التي في...

الصين تبادر لـ”ملء الفراغ” الأميركي

كان اتخاذ القرارات بناء على منظور استراتيجي، الميزةَ الرئيسة للصين. كان هذا فعالاً وحاسماً...

توجهات جديدة في السياسات الخارجية للسعودية

تاريخيا، كانت السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية تقترب كثيرا من مواقف الولايات المتحدة باستثناء...

فرنسيس.. بابا الفقراء: لبنان الفقير يحتاجُه

الأربعاء 13 آذار 2013: كانت أنظار العالم موجّهة نحو عاصمة الكثلكة. بعد أكثر من...

كمال جنبلاط خارج السياسة: شعر وتقمص وروحانيات

يروي كمال جنبلاط "لم يكن لدي في البداية سوى خيار الذهاب إلى منطقة صحراوية...

لماذا تُخيف البلديات السلطة؟

تخاف السلطة من الانتخابات البلدية، ألف مرة انتخابات نيابية، ولا مرة انتخابات بلدية، لماذا؟...

برّي إلى الرياض… على بركات بكين

بعد الإعلان في بكين عن التوصّل إلى اتفاق بين الرياض وطهران يوم الجمعة الماضي،...

أزمة البنوك الأميركيّة: الإفلاس الذي يشتهيه اللبنانيّون

كان يمكن لبنك "سيليكون فالي" أن يستمرّ بالعمل لأربع سنوات أخرى، من دون أن...

السعودية تغيّرت.. هل تخطت الخطوط الأميركية الحمر؟

مع خبر توقيع الإتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، يكون قد تبدّد الشك عند كل...

فرنجيّه يستعدّ: ترشّح وزيارات و”٢٤ قيراط”

كتب أنطوان غطاس صعب في موقع mtv: بات من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون مفصلية...