يوم غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، قرّر رئيس التيار الوطني الحرّ أن يسجّل في كلمة ألقاها في عشاء تيّاره في المتن، أهدافه في أكثر من مرمى. في داخل تيّاره توجّه لمعارضيه: “يلي مش معاجبه التيار يفلّ”، وفي خارج تيّاره أعاد الحرارة إلى حواره مع الحزب مقدّماً له عرض “المقايضة” لانتخاب سليمان فرنجية.
غير أنّ لطرح باسيل هذا أكثر من معطى مرتبط بتوقيت استدارته وجدّيّتها.
فهل يملك فعلاً باسيل مفتاح الرئاسة؟ أم هي مناورة سياسية جديدة لتحصيل ما يستطيع من مكاسب تحفظ له وجوده السياسي في السنوات المقبلة؟
“ديل” الحزب – باسيل المقبل
في الكواليس كلامٌ عن وصول المفاوضات بين الحليفين المتخاصمين إلى اتفاق على توزيع المكاسب في العهد المقبل. إلا أنّ المعلومات ما تزال تتحدّث عن جدّية المفاوضات من دون وصولها بعد إلى خاتمة واضحة. فالحزب ما يزال ينتظر من باسيل “ورقة مكتوبة” ينصّ فيها كلّ مطالبه، مدركاً أنّها مطالب يصعب تحقيقها بشكل فوري كما يطلب باسيل، ومدركاً أيضاً أنّ مطالب باسيل الحقيقية لن تقتصر على العناوين التي أطلقها، بل تتعدّاها إلى مواقع مارونية أولى في الدولة كحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش ومجلس القضاء الأعلى.
في الكواليس كلامٌ عن وصول المفاوضات بين الحليفين المتخاصمين إلى اتفاق على توزيع المكاسب في العهد المقبل. إلا أنّ المعلومات ما تزال تتحدّث عن جدّية المفاوضات من دون وصولها بعد إلى خاتمة واضحة
إلا أنّ أيّاً من ذلك لم يحصل بعد بحسب مصادر مقرّبة من الحزب. في المقابل، تتحدّث معلومات عن محاولة وسيط، هو صديق مشترك بين باسيل والنائب طوني فرنجية، لإجراء لقاء بين الرجلين في منطقة البترون. لكنّ فرنجية رفض هذا الاقتراح مفضّلاً أن يحصل اللقاء في مكان آخر كي لا يستخدم باسيل رمزية المكان لمصلحته. وبالتالي محاولات التقارب قائمة على قاعدة رغبة باسيل بالتفاوض.
لا يخفى على أحد توقيتُ هذا المشهد. ففي وقت كانت نتيجة جولة لودريان ذاهبة باتجاه الخيار الثالث المرجّح أنّه كان قائد الجيش جوزف عون، وجد باسيل أنّ أفضل الوسائل لقطع الطريق أمام التسوية هو التفاوض مع الحزب على رئاسة سليمان فرنجية. وهو بذلك يقطع الطريق على عون من خلال ما يعتبره البعض “مناورة” يقوم بها مع الحزب لتقطيع الوقت.
في الحالتين، يعتبر الحزب هذا التفاوض ورقة رابحة له، مدركاً أنّ باسيل لا يملك وحده مفتاح الرئاسة. في حسابات الحزب أكسبه باسيل ورقة رابحة في أيّ مفاوضات مقبلة له على الرئاسة، على الرغم من كلّ الكلام عن تمسّكه المطلق بمرشّحه سليمان فرنجية. وفي حسابات باسيل أنّ مفاوضاته مع الحزب تزيد من أسهم استمرارية نفوذه في أيّ عهد مقبل. وفي الحالتين، سواء كان ما يقوم به باسيل مناورة أو لا، وهو على الأرجح مناورة كما يقول عارفوه، أعاد باسيل خلط الأوراق الرئاسية في الساحة الداخلية.
باسيل والتفاوض مع المعارضة
على المقلب الآخر، يحرص باسيل على استمرار تفاوضه مع قوى المعارضة. وفي آخر اجتماع لعدد من نوّابه مع ممثّلين عنها، عبّر التيار الوطني الحرّ عن تمسّكه حتى اليوم بترشيح جهاد أزعور قائلاً: “إذا دعا اليوم الرئيس نبيه برّي إلى جلسة انتخابية فسنصوّت لجهاد أزعور”.
عليه، يسعى باسيل إلى الحفاظ على صلات آمنة مع مختلف القوى، والمحافظة على المظلّة المسيحية من خلال استمرار تقاطعه مع القوى المسيحية المعارضة لفرنجية من جهة، والسعي كما يقول إلى تحقيق مكاسب للمسيحيين في اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وفي صندوق إدارة أصول الدولة، مقابل انتخاب فرنجية من جهة ثانية.
هي عملية soft landing يقوم بها باسيل، بحسب مصادر معارضة. أمّا حزب القوات اللبنانية فلن يجعل مهمّة باسيل هذه سهلةً من خلال تبنّيه خطاباً ممسوكاً ومتصاعداً يعتبر أنّ مطلب اللامركزية الإدارية هو مطلب وطني لا مسيحي، وليس منّة من أحد، ويمكن للقوى السياسية أن تقوم بمعركة تنفيذه كما ينصّ اتفاق الطائف في مجلس النواب. في اللجان قانون اللامركزية الإدارية يُدرَس ويُناقَش، فلماذا لا يحصل الاتفاق هناك، كما يقول مصدر قوّاتي. أمّا صندوق إدارة أصول الدولة فهو ملك للّبنانيين وليس ملكاً لأحد ليفاوض عليه. وبالتالي لا تصعب قراءة هذه الخطوة على أنّها تعبّد الطرق وتحسّن شروط التيار والحزب معاً في العهد المقبل.
وحدَه رئيس مجلس النواب نبيه برّي يقول علناً إنّه لا طريق لإنقاذ البلد من انهيار وشيك، إلّا بالحوار أو المشاورات وصولاً إلى انتخاب رئيس، وهو سبق أن بعث إلى من يعنيه الأمر رسالة التسوية… بانتظار نضوجها
باسيل لا يملك وحده مفاتيح الرئاسة
هل يُنتخَب فرنجية لمجرّد أن ينضمّ باسيل إلى المقترعين له؟
ليس الجواب على هذا السؤال صعباً.
ماذا عن موقف الاعتدال الوطني وموقف الحزب التقدّمي الاشتراكي بالحدّ الأدنى؟
موقف الكتلة السنّية العكّارية لا يرتبط بغطاء باسيل لفرنجية، وكذلك موقف الاشتراكي، فهما مرتبطان بغطاء إقليمي للرئاسة لأنّ جميع القوى السياسية تدرك أنّ عهداً من دون غطاء إقليمي دولي لا مستقبل له. وبالتالي يحتاج وصول فرنجية للرئاسة إلى دعم خارجي غير متوفّر بعد، ومتى توفّر تصبح رئاسة فرنجية أمراً واقعاً وجامعاً وغير مقتصرة على أصوات كتلة باسيل. وبالتالي فإنّ حسابات القصر أكثر تعقيداً من عملية حسابية يحصل فيها فرنجية أو لا يحصل على 65 صوتاً.
في الخلاصة، سيكون شهر آب شهر البيع والشراء، شهر المناورات، شهر الاستعداد لعودة لودريان المُنتظَرَة في أيلول بحوارات ثنائية.
وحدَه رئيس مجلس النواب نبيه برّي يقول علناً إنّه لا طريق لإنقاذ البلد من انهيار وشيك، إلّا بالحوار أو المشاورات وصولاً إلى انتخاب رئيس، وهو سبق أن بعث إلى من يعنيه الأمر رسالة التسوية… بانتظار نضوجها.