بات كلّ ترشيح في وجه مرشّح “الثنائي الشيعي” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية مدعاة لتوقّع إطالة الفراغ الرئاسي لمزيد من الوقت، بعدما كان اتفاق القيادات المعارضة والمسيحية على مرشّح يمكنه جمع الأصوات المطلوبة لتحصل المنافسة، تحدّياً مرفوعاً في وجه السياديّين والمستقلّين والتغييريّين من أجل الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس تساعد على تحريك الجمود في الاستحقاق الرئاسي.
فور إشاعة أنباء عن اتفاق المعارضين وبعض المستقلّين والتغييريين مع “التيار الحر”، سواء على لسان نواب من تكتّله النيابي أو من نواب مستقلّين، على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، جاء الردّ حاسماً على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بأنّه “مناورة لإسقاط مرشّحنا”.
“الحزب”: ممنوع… إسقاط مرشّحنا
لا يحتاج المعنى إلى كثير عناء لفهمه، فهو يستبطن إنكار حقّ المنافسين بالنزول إلى حلبة المنافسة… “ممنوع إسقاط مرشّحنا”. “الحزب” يعيب على خصومه، الذين راهن على خلافاتهم، أن يجتمعوا على مرشّح له حظوظ بالحصول على أكثرية النصف زائداً واحداً (65 نائباً)، أو بالحدّ الأدنى لديه إمكانية أن يجمع عدداً من الأصوات يساوي ما لدى مرشّح الحزب، أو يفوق ما يحصل عليه الأخير، ولو لم يكن كافياً لإنجاح أيّ منهما. فالمبارزة تحت قبّة البرلمان تُسقط الحجّة القائلة إنّه ليس لدى فريق المعارضة مرشّح يستطيع جمع عدد مقبول من الأصوات، وهو المرشّح الذي سينقل البحث إلى تسوية على مرشّح ثالث.
لكنّ ردّة الفعل العنيفة التي صدرت حيال ذلك تعكس صدّاً حاسماً لفكرة اتفاق خصوم “الثنائي” على مرشّح، على الرغم من أنّ الوعد كان بالدعوة إلى جلسة انتخاب فور حصول اتفاق كهذا.
ثمّة من يعتقد من النواب أنّ عين برّي على إمكان الدعوة إلى جلسة نيابية تشريعية فور انتهاء اللجان النيابية المشتركة من دراسة مشاريع قوانين لها علاقة بفتح اعتمادات مالية لتسيير شؤون الدولة والقطاع العامّ… قبل جلسة الانتخاب
تصعيد الاصطفاف المارونيّ الشيعيّ
توزّعت ردّة الفعل كالآتي:
– النائب رعد في تعليقه على أنباء توافق المعارضة و”التيار الحر” على أزعور، صنّف ذلك في مرتبة “التآمر”. وأوحى رعد بقدرة فريقه على “الصمود” إزاء ذلك، أي على إدارة الفراغ، لا سيّما أنّه مع حلفائه يملكون القدرة على تعطيل نصاب أيّ جلسة انتخاب في الدورة الثانية من الاقتراع.
– الهجوم المباشر الذي قام به أوّل من أمس المفتي الجعفري الممتاز الشيخ قبلان على البطريرك الراعي بعد كلام نُسب إليه غداة عودته من زيارتَيْه للفاتيكان وفرنسا مفاده أنّ “على رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسة قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس، لكن نحن نتميّز بمخالفة الدستور”. وهو وجّه كلامه “للأخ في إنسانيّتنا وشريكنا في الوطن والوطنيّة غبطة البطريرك الراعي”، قائلاً: “لبنان يُصنع في لبنان وليس في الطائرة، والسيادة الوطنية على أبواب مجلس النواب وليست بالأوراق المحمولة جوّاً”. وأضاف: “ما زال الرئيس نبيه بري وحركة “أمل” والمقاومة ضمانة وجود لبنان وعنوان سيادته واستقلاله وعيشه المشترك، وتاريخ الرئيس نبيه بري باللعبة البرلمانية يساوي مصالح لبنان الوطنية”.
– خرج الرئيس برّي عن صمته بقوله إنّ “أبواب المجلس النيابي لم تكن ولن تكون موصدة أمام جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، في حال أعلن عن ترشيحَين جدِّيّين على الأقلّ للرئاسة، وخلاف ذلك من تشويش وتهديد لا يعود بفائدة ولا ينفع، ولا سيما مع رئيس المجلس”.
مهّدت هذه المواقف، معطوفة على الموقف البطريركي في كلّ من الفاتيكان وباريس الرافض لفرض “الثنائي” رئيس على المسيحيين، لتصعيد حدّة الاصطفاف الشيعي الماروني الذي قلّما بلغ ذروة كالتي ظهر فيها خلال هذا الأسبوع. وعلى الرغم من نُصح الفاتيكان للراعي بالتفاهم مع المكوّن الشيعي على الرئيس وضرورة فتح الحوار معه، وهو نفسه ما نصح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك نتيجة قناعتهما باستحالة الإتيان برئيس خلافاً لإرادة “الثنائي” القادر على تعطيل نصاب البرلمان، وافقه على الرفض الماروني لفرض رئيس على المسيحيين. وقد حرص بيان الرئاسة الفرنسية بعد لقاء ماكرون مع الراعي على تأكيد “ضرورة بقاء مسيحيّي لبنان في قلب التوازن الطائفي والمؤسّسي للدولة اللبنانية”.
شرط برّي للدعوة إلى جلسة وردّه على الراعي
انطلاقاً من أنّه ليس من عادة المفتي قبلان الإدلاء بتصريحات من هذا النوع، من دون التنسيق مع برّي و”الحزب”، فسّر الذين يتردّدون على برّي ما قاله في اتجاهين:
1- حديثه عن “التشويش” جاء ردّاً على الراعي، بعد نفيه أن تكون أبواب البرلمان “موصدة”. وحين سأل زوّار رئيس البرلمان عن توقيت دعوته البرلمان إلى جلسة انتخاب، أجابهم بأنّه فور إعلان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل دعمه لترشيح أزعور سيحدّد موعداً لجلسة انتخابية. تفسير ربط الدعوة بموقف باسيل يعود إلى التباس موقف الأخير بعد بيان الهيئة السياسية لتيّاره الثلاثاء الماضي الذي تحدّث عن “التقاطع” مع الكتل النيابية المعارضة على الاسم، وعن استبعاده ترشيحاً يكون تحدّياً لأحد، وسط مراهنة على ألّا يذهب باسيل بعيداً في الخصومة مع “الحزب”، خصوصاً أنّ هناك خلافاً بين مجموعة من نواب “التيار” وبينه على تجنّب تصعيد الخلاف مع “الحزب” عبر دعم أزعور، على الرغم من إعلان بعضهم الاتفاق مع المعارضة على دعمه. ويلاقي هذا التفسير اقتناع بعض المعارضة وبعض نواب “التيار الحر” بأنّ رئيسه ما يزال يراهن على أن يفاوضه “الحزب” على مرشّح آخر أقرب إليه، غير أزعور وفرنجية. والساعات المقبلة كفيلة بكشف نواياه حيال الاتفاق مع “القوات اللبنانية” وسائر أطراف المعارضة.
ثمّة من يعتقد من النواب أنّ عين برّي على إمكان الدعوة إلى جلسة نيابية تشريعية فور انتهاء اللجان النيابية المشتركة من دراسة مشاريع قوانين لها علاقة بفتح اعتمادات مالية لتسيير شؤون الدولة والقطاع العامّ… قبل جلسة الانتخاب.
… وجواب على تأويل العقوبات
2- إشارته إلى “التهديد الذي لا ينفع” معه، جاءت تعليقاً على التأويلات الإعلامية لكلام مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف عن تشاور بلادها مع الشركاء الأوروبيين من أجل فرض عقوبات على من يعرقلون انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. وهي التأويلات التي توقّعت أن تشمل هذه العقوبات برّي نفسه.
واقع الأمر أنّ محيط برّي تحقّق من ظروف كلام المسؤولة الأميركية الذي جاء أثناء إدلائها بشهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، وتبيّن أنّ حديثها عن العقوبات كان ردّاً على سؤال من إحدى السيّدات اللبنانيات من الحضور. وفي التواصل مع السفارة الأميركية في بيروت كان الجواب أن لا معطيات لديها عمّا أدلت به ليف.
بينما يتعاطى بعض الأوساط السياسية بجدّية مع التلويح الأميركي بالعقوبات، نظراً إلى أنّ الاهتمام الوحيد لواشنطن بأزمة الفراغ الرئاسي ينصبّ على التحذير من إسقاط نصاب جلسات الانتخاب الرئاسي، وبالتالي الهدف ضمان عدم تعطيل النصاب، يرى نواب متّصلون بـ”الثنائي الشيعي” أن لا مفعول لهذا النوع من الضغوط عليه، وأنّ التلويح شيء والتنفيذ شيء آخر، خصوصاً أنّ فعّالية العقوبات محدودة إذا لم يشترك فيها الأوروبيون الذين لا إجماع بين دولهم عليها.
استحالة قبول “الحزب” بأزعور؟
الخلاصة التي انتهى إليها نواب متصلون بـ”الحزب” أنّ من غير الوارد أن يقبل “الحزب” بتمرير أزعور تحديداً، في أيّ جلسة انتخابية، وأنّه يعتبر خطوة كهذه كسراً له، بحيث على الوسط السياسي أن يتوقّع إطالة الفراغ الرئاسي بموازاة تقدُّم أسهم أزعور.
يجزم أحد النواب في هذا السياق أنّ المنحى الذي أخذته المواجهة حول الرئاسة يجعل إمكان تخلّي “الحزب” عن دعم ترشيح فرنجية أقرب إلى التصوّر من قبوله بكسر خياره عبر أزعور، الذي يصنّفه منسجماً مع الهوى الأميركي بحكم موقعه الحالي في صندوق النقد الدولي، سواء صحّ ذلك أم لا، وعلى الرغم من ابتعاد واشنطن الفعليّ عن الانخراط بالأسماء.
استبعاد الاجتماع الخماسيّ وفرنجية في جنوب أفريقيا..
يقرّ أصحاب فرضية تخلّي “الحزب” عن فرنجية لإسقاط خيار أزعور، بصعوبة تحقُّق تنازل من هذا النوع من دون تسوية خارجية، ولا يستبعدون أن تقود تسوية ما إلى تثبيت رئيس “المردة”. أمّا المساومة عليه فيستحيل أن تتمّ مع باسيل، بل هي إمّا مع واشنطن، غير المهتمّة والتي تكتفي بالمراقبة والمتابعة لما يجري، أو مع المملكة العربية السعودية، التي ما زالت أولويتها اليمن واستكمال خطوات التطبيع مع سوريا. وما زال الإمساك بورقة الرئاسة اللبنانية في يد طهران في سياق المفاوضات على الميادين الإقليمية المختلفة.
طرح الانسداد الكامل في الرئاسة إمكان التئام الاجتماع الخماسي مجدّداً بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لكنّ باريس تنفي أيّ حراك في هذا الاتجاه. واتّجهت الأنظار إلى لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي تؤيّد بلاده بقوة خيار فرنجية، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود على هامش الاجتماع الوزاري لدول مجموعة “بريكس” في إفريقيا الجنوبية. وأفادت التقارير الواردة إلى بيروت عن العناوين التي بحثها أنّها شملت التأزّم في لبنان، من دون ذكر تفاصيل.