الرئيسيةمقالات سياسيةباسيل “المفاوض الأول” على مصير الرئاسة: مساومات بلا حدود

باسيل “المفاوض الأول” على مصير الرئاسة: مساومات بلا حدود

Published on

spot_img

كثر من الذين توهموا أن جبران باسيل قد انتهى سياسياً في في أعقاب ثورة 17 تشرين، لا بد لهم أن يصابوا بخيبة أمل. يتجدد الرجّل من حيث لا ينتبه أو يدري خصومه. يستند على أكثر من عنصر، ومن أهمها قدرته السريعة على الحركة، في مقابل تباطؤهم وجمودهم. يمثّل باسيل اليوم حاجة للجميع، موالاة ومعارضة. يعود إلى لعب دور “صانع الرئيس” أياً كان هذا الرئيس. وضع نفسه في موقع أنه حيث يكون سيكون الرئيس المقبل للجمهورية. حتى رهان البعض على أن خلاف باسيل مع حزب الله سيؤدي إلى إضعافه أكثر اكتشفوا العكس، فقد تحرر الرجل أكثر في طروحاته ومواقفه، وأصبح قابلاً لتقديم العروض واستدراج الكثير منها عبر قنوات واتجاهات متعددة.

البيع والشراء
في المقومات الشخصية له، تجتمع فيه مزايا “تجّار الساحل”، يقدّم في طروحاته “المفخّمة” أو المضخّمة مواصفات زعامات الجبال، او وجاهات الأرياف. وفي السياسة حاضر دوماً لحضور السوق. يسعى لوراثة دور اضطّلع به وليد جنبلاط. وكأنه يسعى إلى جمع شخصيات متعددة في شخصيته. تتكون من بعض مما لدى ميشال عون، واستعادة أسلوب بشير الجميل أو كميل شمعون، ولا يبتعد كثيراً عن أداء نبيه برّي، في الممارسة السياسية، وكل ما يتعلق بلعبة الدولة ومؤسساتها وإداراتها. يعرف كيف يستفز الآخرين لاستدراجهم إليه.
منذ الدخول في الفراغ الرئاسي، نجح باسيل في استدراج خصومه. وهو الذي أصر دوماً على ضرورة الحوار والتوافق، خصوصاً عندما تقاطعت مصلحته مع مصلحة خصومه المسيحيين في رفض انتخاب سليمان فرنجية. اندفع إلى تعزيز التواصل والسعي للاجتماع في بكركي. رفض الآخرون، فيما عادوا ودخلوا في التفاوض غير المباشر معه على عدد من الأسماء. كان رئيس التيار الوطني الحرّ خلالها على اختلاف جذري مع حزب الله حول طرحه. أوهم الجميع بإمكانية التفاهم معه. حاذرت القوات اللبنانية الدخول في الحوار المباشر، أو الوصول للاتفاق لعلمها أن باسيل “المجرّب” سيستخدم هذا الاتفاق للذهاب إلى التفاوض مع حزب الله، من موقع الأقوى. وفي حال تفاهم مع الحزب بعد نجاحه في استبعاد فرنجية، ستكون القوات مستبعدة أيضاً، ويعيد باسيل صناعة المشهد وتفاصيله.

التفاوض والتريث
استمر التفاوض. تولاه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل. ظنّ الجميع أن الاتفاق أصبح قاب قوسين أو أدنى على إسم المرشح، ليتبين فيما بعد أن باسيل يحتاج إلى مزيد من الوقت. اكتفى بالتلويح للحزب وللآخرين بأنه قادر على الذهاب في اتجاه القوات والكتائب وغيرهم من المستقلين والتغييريين. وهو كان قد طرح سابقاً قدرته على التفاهم مع الاشتراكي وجزء من المستقلين والتغييرين، لاستدراج الآخرين إليه أيضاً. هنا يبدو الرجل الأكثر قدرة على الحركة، فيما الآخرون على مواقفهم، وعند حدود خطواتهم.
تأخر الاتفاق، فعادت الورقة إلى يد باسيل. خصومه المسيحيون الذين كانوا يرفضون الاتفاق معه كي لا يستخدم هذه الورقة في التفاوض مع الحزب، أصبحوا بحاجة لانتظاره بعد امتلاكه للورقة. حزب الله في المقابل، ينتظر ما سيقرره الرجل، وهل سيذهب باتجاه المعارضة أم أنه سيبقي قنوات التواصل مفتوحة. يتهمه خصومه بأنه لا يريد الذهاب إلى مرشح مواجهة مع حزب الله. يظنّون أنهم بذلك يعملون على إحراجه، فيما هو غير مبال في ذلك، لا بل قادر على تبرير موقفه، بأن من يريدون الاتفاق معه يكثرون من التهجم عليه، فكيف له أن يذهب إليهم. لا بد له أن يتوقع المزيد من الحملات والضغوط، وخصوصاً من قبل الأفرقاء المسيحيين، على قاعدة أنه يؤخر الاتفاق فيما بينهم. لكن الرجل ينظر إلى ما هو أبعد. ففي كل لحظة قادر على إنتاج خطاب سياسي متجدد، يظهر وكأنه يواكب التطورات ويسابقها، وعلى نحو تسمح له سرعته في تصوير التطورات وكأنها من صناعته. بخلاف الآخرين الذين ينتظرون المسارات إما للموافقة عليها أو لمواجهتها وعدم مواكبتها، فيتقدم عليهم بخطوات، ولا يمانع من الإعلان عن رفضه الدخول في التسوية، أو أن يسبقه القطار، فيما عملياً يسعى لأن يمسك بمقوده.

استدراج العروض
وضع باسيل نفسه في مكان، وكأنه على تلّة. ينظر إلى الجميع من فوق. كلهم بحاجة إليه. ينتظر استدراج المزيد من العروض. فاحتل موقعاً حيث يكون ستكون التسوية. فهو حاجة لحزب الله وحركة أمل لانتخاب سليمان فرنجية. وهو حاجة وضرورة لقوى المعارضة للاتفاق على مرشح وتعزيز حظوظه. حتى طرح مرشح التسوية بدلاً من مرشح المواجهة سيكون حاجة ماسة إليه لإنضاجه، خصوصاً إذا كان الخيار قد وقع على قائد الجيش الذي لا يزال باسيل يعارضه بقوة حتى الآن.
مشكلة الآخرين أنهم قادرون على لعب الدور نفسه لكنهم عاجزون. فالقوات اللبنانية مثلاً قادرة على لعب هذا الدور في الذهاب باتجاه فرنجية فقط، لأن موافقتها عليه يمكن أن يقود إلى انتخابه فيما يبقى باسيل خارجاً. لكن ذهاب القوات باتجاه تبني خيار قائد الجيش أو أي مرشح مواجهة آخر لا يعني حتمية وصوله.

مهما كان مصير الانتخابات الرئاسية، سيبقى باسيل الذي نعرفه، السياسة عنده “صفقات” فقط

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...