الرئيسيةمقالات سياسيةالموساد في بيروت: استجوَب محمد سرور.. حتّى الموت

الموساد في بيروت: استجوَب محمد سرور.. حتّى الموت

Published on

spot_img

لم يعد سرّاً أنّ قتل الصرّاف محمد إبراهيم سرور في بيت مري يحمل بصمات الموساد الإسرائيلي. فرقة إسرائيلية خاصّة دخلت لبنان واستأجرت فيلا في بيت مري. حيث استدرجت الصرّاف الموضوع على لائحة العقوبات الأميركية منذ عام 2019: محمد سرور. واستجوبته بالتعذيب والرصاص. كما في أفلام الأكشن. وظلّ الاستجواب مستمرّاً حتى مات من النزيف.

استجواب الصرّاف محمد سرور وقتله في بيت مري، على يد قوّة خاصة من الموساد الإسرائيلي، أعادا إلى الذاكرة عملية جرت قبل 51 عاماً بالتمام والكمال في نيسان 1973. وهي عملية اغتيال القياديين الفلسطينيّين كمال عدوان وأبي يوسف النجار وكمال ناصر في فردان. في قلب العاصمة بيروت. العاصمة التي كانت “تحكمها” حركة “فتح” الفلسطينية. وذلك ردّاً على عملية “ميونخ”. حين اغتال فلسطينيون في 1972 رياضيين أولمبيين إسرائيليين في ميونيخ الألمانية، حيث كانت تُقام الألعاب الأولمبية.

نفّذت “عملية فردان” فرقة خاصّة من القوات الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك. وكان يومها ضابطاً في “الموساد”. فمن الذي نفّذ “عملية بيت مري”؟ وهل يصير رئيساً لوزراء إسرائيل بعد سنوات؟

لا تعيد عملية قتل محمد سرور إلى الذاكرة عملية اغتيال القياديين الفلسطينيين فقط.

إذ كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست”، في تموز 2022، أنّ الموساد استجوب مسؤولاً كبيراً في الحرس الثوري الإيراني يدعى يد الله خدماتي داخل إيران، واعترف بنقل أسلحة إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن.

طوفان الأقصى… في بيت مري

ليس خفيّاً على أحد أنّ استجواب الصرّاف محمد سرور وقتله هما جزء من الحرب المعلنة، أمنيّاً وعسكرياً، بين الحزب وإسرائيل. وذلك في سياق “انتقام” إسرائيل من عملية “طوفان الأقصى” التي أعلنتها حركة “حماس” في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وانضمّ إليها الحزب في اليوم التالي، 8 تشرين الأول.

اختلف الزمان والمكان بين نيسان 1973 ونيسان 2024، لكنّ المضمون واحد. وطريقة التنفيذ واحدة. والجهة المنفّذة نفسها: الموساد.

نفّذت “عملية فردان” فرقة خاصّة من القوات الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك. وكان يومها ضابطاً في “الموساد”

ما يحيل أصابع الاتّهام نحو إسرائيل هو اتّهام الولايات المتحدة لسرور بتحويل الأموال من إيران الى حركة حماس في قطاع غزة. وقد كانت إسرائيل بدأت بتعقّب سرور منذ 2019 بسبب هذه “الشبهات”.

بيروت.. غزّة.. تركيا…

لنعود إلى الذاكرة: بدأت إسرائيل تنفيذ اغتيالات لقادة حماس وكلّ من يرتبط بها ماليّاً ولوجستياً.

ليس صالح العاروري أوّلهم، وقد لا يكون محمد سرور آخرهم. والعاروري قتلته مسيّرة إسرائيلية في قلب ضاحية بيروت الجنوبية في 2 كانون الثاني الماضي. وهو إحدى صلات الوصل بين الحزب وحماس.

وبين صالح العاروري ومحمد سرور، عشرات الصرّافين في غزّة بحسب مصادر فلسطينية مطّلعة. وهناك نشاط لجهاز الموساد في جمع المعلومات عن صرّافين في تركيا. وهذا ما أظهرته التحقيقات التركية بعد القبض على عدّة شبكات للموساد هناك بحسب ما ذكر مصدر أمني تركي لـ”أساس”.

اللافت في قرار إدراج سرور على لوائح العقوبات الأميركية في 2019 هو اتّهامه بعلاقة تربطه مع الحزب في لبنان. أي أنّ هذه اللائحة لا تعتبره عضواً منتسباً في صفوف الحزب. لكنّها في الوقت عينه اتّهمته بالمساعدة بتمويل حركة حماس في غزة.

كيف استُدرجَ سرور؟

تشير بعض المعلومات إلى أنّ محمد سرور استُدرِج من سيدة لبنانية تحت اسم “زينب حمود” بحجّة تحويل مبلغ من المال من العراق.

سهّل سرور استلام المبلغ الماليّ، وتوجه برفقة ابن شقيقه على متن دراجة نارية لتسليم المبلغ للسيدة المذكورة في فيلا بيت مري. بسبب وجود ابن شقيقه، استلمت المدعوة زينب حمّود المبلغ من خلف نافذة.

في اليوم الذي خُطِف فيه سرور، ذهب مجدداً الى بيت مري لتسليم مبلغ 4 آلاف دولار، وكان بمفرده، ما سهّل اعتقاله واستجوابه وقتله.

ماذا في آخر المعلومات عن مقتل محمد سرور؟

يؤكّد مصدر أمنيّ مطّلع على التحقيقات لـ”أساس” أنّ الفيلا التي كان يتردّد عليها سرور في بيت مري على مدى شهر للقاء السيدة التي تسمي نفسها “زينب حمود”، استُؤجرَت عبر تطبيقAir bnb . وكان يتمّ الدفع بحساب ماليّ مربوط ببطاقة مصرفية خارج لبنان. وهذا يصعّب مهمّة معرفة هويّة من استأجر الشقّة. وذلك لأنّ التحقيقات تحتّم التواصل مع الشركة التي تدير التطبيق. وقد تتعاون الشركة وقد لا تتعاون. وحتّى إذا تعاونت، قد لا تصل التحقيقات إلى كشف الهويّة الحقيقية للمُستأجِر.

كما أنّ هناك احتمالاً كبيراً أن يكون الحساب الذي دُفعت تكاليف الإيجار منه وهميّاً، أو يعود لشركة وهمية أيضاً.

الأسرار كثيرة، ربّما تتكشّف خلال الأيام المقبلة. لكنّ الثابت أنّه اختراق كبير تعرّض له الحزب من الموساد. وفي قلب العاصمة بيروت

أمّا عن فريق التنفيذ، فالأجهزة الأمنيّة باتت عندها قناعة أنّ الفريق جاء من خارج لبنان، وتعاون معه عملاء محلّيون لتوفير “اللوجستيات” من آليّات وأدوات تنفيذ. تماماً كما حصل في عملية “فردان 1973”.

كيف دخلت فرقة القتل… وكيف خرجت؟

بدأت الأجهزة الأمنيّة المعنيّة في لبنان بالتحقيق على خطّين:

– مراجعة حركة الدخول والخروج من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي، لمطابقة الهويّات مع أشخاص يُحتمل أنّ الكاميرات رصدتهم في محيط الفيلا في بيت مري.

– مراجعة حركة الاتّصالات في منطقة الجريمة لمحاولة الوصول إلى هويّة المنفّذين والمتعاونين المحليين.

أمّا في مسرح الجريمة، فكان واضحاً أنّ الجهة المنفّذة أرادت التأكيد أنّ قتل سرور ليس بهدف السرقة على الإطلاق.

إذ عثرت الأجهزة الأمنيّة في الفيلا على كلّ أدوات التنفيذ:

– مسدّسين من طراز Glock 19. كواتم صوت وقفّازات. وملابس كلّها مغمورة بالمياه، وبعض الموادّ الخاصّة للتأكّد من إزالة البصمات بطريقة شديدة الاحتراف.

– مبلغ من المال كان يحمله الضحية (6,000 دولار أميركي). وهو على الأرجح المبلغ الذي جاء سرور ليسلّمه للمرأة التي استدرجته تحت حجّة العمل. وتقصّدت الجهة المنفّذة ترك المبلغ للتأكيد أنّها لم تكن عملية سرقة.

 سرور تعرّض لاستجواب عنيف قبل قتله. إذ عثر في جسده على 6 طلقات في الساقين واليدين. أي أنّ إطلاق النار كان هدفه التعذيب لانتزاع معلومات منه

الواضح أنّ سرور تعرّض لاستجواب عنيف قبل قتله. إذ عثر في جسده على 6 طلقات في الساقين واليدين. أي أنّ إطلاق النار كان هدفه التعذيب لانتزاع معلومات منه. وبالتأكيد هذه المعلومات حول الجهات التي يعمل معها سرور. من أين يأتي بالمال وإلى من يرسله، في فلسطين أو غيرها. وذلك لجمع ما أمكن من معلومات منه. قبل تصفيته.

هل كان يستخدم هواتف متعدّدة؟

في محاولة جمع المعلومات حول مقتل الصرّاف محمد سرور، تتضارب الروايات. وتحديداً حول طريقة العثور على جثّته بعد اختفائه الأسبوع الماضي.

الرواية الأولى تفيد بأنّ الأجهزة الأمنيّة تعقّبت هاتفه لتحديد مكانه.

لكنّ هناك رواية ثانية تفيد بأنّ محمد سرور استخدم خطّاً وهاتفاً جديدين. وذلك لمرّة واحدة فقط، في يوم اختفائه. وهذا ما صعّب مهمّة تحديد مكانه. التي عادة ما تكون عملية سهلة على الأجهزة الأمنيّة إذا كان الشخص الذي تبحث عنه يحمل هاتفاً موصولاً برقمه المعلن والمسجّل باسمه.

وبالتالي إذا صحّت الرواية الثانية، يكون محمد سرور قد استعمل خطّاً هاتفياً جديداً، وهو ما صعّب معرفة مكانه. وتقول بعض المصادر إنّه لم يكن يستعمل هاتفه الشخصي خلال تنقّلاته. والهدف هو تصعيب مهمّة تعقّبه. خصوصاً أنّه يعرف تمام المعرفة أنّ أجهزة المخابرات الأميركية تترصّده، لأنّه موضوع على لوائح عقوباتها.

الأسرار كثيرة، ربّما تتكشّف خلال الأيام المقبلة. لكنّ الثابت أنّه اختراق كبير تعرّض له الحزب من الموساد. وفي قلب العاصمة بيروت.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...