يقول التقرير الذي نشرته وكالة “رويترز”، عن اللقاء بين أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، وقائد فيلق القدس اسماعيل قاآني، في معرض استعراضهما لمسار الحرب على غزة وفي جنوب لبنان، الكثير. فما يكشفه التقرير هو أن لا إيران تريد الحرب ولا حزب الله. وينقل عن مسؤول إيراني قوله إن التصعيد مع إسرائيل ستكون تكلفته باهظة على جماعات إيران في المنطقة كلها. كما ينقل عن إبلاغ نصرالله لقاآني بأن الحزب لا يريد جرّ إيران إلى حرب مع أميركا وإسرائيل. ويصل إلى خلاصة مفادها أنه في حال فرضت الحرب، فإن الحزب سيخوضها لوحده.
ما بعد رفح
يكشف التقرير الكثير من المؤشرات التي لا بد من التوقف عندها. فبعضها معروف بسياق تحليل مسار الحزب العسكري، الذي يسلكه منذ 8 تشرين الأول. وهو إبقاء لبنان جبهة مشاغلة وإسناد لغزة. وهذا ما كرره نصرالله أكثر من مرة، في إطار تأكيده عدم الرغبة بالحرب الواسعة. ولكن ما هو الأهم من ذلك، أن جبهة الإسناد لم تمنع الإسرائيليين من اجتياح غزة، ومن ارتكاب المجازر، ومن عودة الأميركيين لبناء ميناء عائم. ولم تمنع الإسرائيليين من الإصرار على خوض معركة رفح. وقد قال نصرالله في كلمته الأخيرة متوجهاً لنتنياهو بالقول: “أنت خسرت الحرب حتى لو ذهبت إلى رفح”. هنا يبدو نصرالله وكأنه يستبق مسار المعركة، ويعتبر أن الإسرائيليين سيصرون على خوضها. وبالتالي، يتحدث عن المرحلة التي تليها.
ما لا بد من الإشارة إليه، هو إطالة أمد حرب الاستنزاف القائمة في لبنان من دون تحولها إلى حرب شاملة ومن دون القدرة على الحسم. وهذا سيبقي لبنان معرضاً لمخاطر كثيرة بمستويات متعددة، أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية. ولذلك، فهذا يحتم البحث عن صيغة تمنع استمرار حرب الاستنزاف.
مسؤولية الآخرين أيضاً
صحيح أن هناك الكثير من المساعي الدولية والديبلوماسية لتجنب التصعيد، من خلال تقديم مقترحات للحلّ، وخصوصاً عبر الأميركيين. وهذا ما يوافق عليه حزب الله، لكنه يؤجله إلى ما بعد وقف إطلاق النار في غزة. إلا أن المطلوب أكثر. وهو من مسؤولية القوى الأخرى إلى جانب الحزب.
إنها اللحظة المناسبة لتعزيز كل ما له علاقة بالمفاوضات الدولية والديبلوماسية، بنوع من الحراك السياسي الداخلي، لإحداث انتقال نوعي في الوضع السياسي العام في البلد، من خلال الذهاب جدياً إلى انتاج تسوية من شأنها أن تعزز منطق تجنب الحرب. وهذا بحد ذاته مسؤولية المعارضة في توحيد موقفها وتعزيز منطق التوازن السياسي، والتوجه إلى حزب الله في سبيل “استعادته”، وليس في سبيل الرهان لا على ضربة إسرائيلية، ولا على غطالة حرب الاستنزاف، انطلاقاً من حسابات قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى.
وبهذا التحرك يتجه المعارضون إلى الحزب ليس على قاعدة الاستفزاز أو الابتزاز. وفي المقابل، فإن هناك مسؤولية تقع على عاتق الحزب أيضاً للتعاطي بواقعية وعقلانية، إزاء مثل هذا التحرك تسهيلاً لتسوية تحصن الواقع السياسي الداخلي، خصوصاً بالنظر إلى العقلانية التي يمارسها الحزب في ضرباته الموجهة لإسرائيل وردوده على استفزازاتها وضرباتها. وهو يقول بشكل واضح إنه لن يسمح للإسرائيليين باستدراجه إلى التصعيد وفق توقيتهم.
تسوية وعقلانية
إنها لحظة يمكن فيها العمل على إنتاج تسوية جدية، بالنظر إلى كل المساعي الدولية والعربية و”الخماسية”، لبلورة تصور سياسي يمكن أن يخرج لبنان من مأزقه وأزمته. ويمكن لمثل هذه التسوية أن تشكل عنصر التفاف حقيقي على أي مسار إسرائيلي، يهدف إلى التصعيد واستدراج لبنان للحرب. الآن وقت التسوية. فالعقلانية التي يمارسها حزب الله بشكل لا لبس فيه في الجنوب، لا بد لها أن تنعكس على الواقع الداخلي اللبناني. وهو ما يفترض أن يقابل بعقلانية لدى القوى المعارضة للحزب، بوضع مسار سياسي واضح يرسم معالم تسوية مأمولة.
اللحظة حالياً مختلفة عن العام 2006. ففي تلك الفترة، حزب الله هو الذي اعتمد مسار الحرب لتغيير الوقائع السياسية. أما اليوم، فإسرائيل هي التي تمارس كل أشكال الاستفزاز. الإسرائيليون هم الذين يحاولون فرض الحرب أو إبقائها كحالة مستدامة من خلال الضربات المتفرقة التي يوجهونها، لتحويل لبنان إلى ساحة مشابهة للساحة السورية. والرد على ذلك يمكن أن يحصل من خلال تسوية تحظى برعاية داخلية وخارجية. فلا يمكن إغفال رعب غزة الذي يدب في نفوس اللبنانيين، وفي نفوس الجنوبيين أيضاً. وهذا معيار يتوقف عنده الحزب باهتمام كبير، فلا يريد إعادة وتكرار مشهد التهجير من الجنوب، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الخانقة.