الرئيسيةمقالات سياسيةاللاعبون الثلاثة والوسطاء

اللاعبون الثلاثة والوسطاء

Published on

spot_img

ثلاثة لاعبين على حلبة الصراع من لبنان إلى غزة. يخوضون معارك معقّدة وفقاً لأجندات لا سبيل فيها للتراجع. هي أجندات مغلقة باتّجاه قيام دولة فلسطينية. كلّ ما في هذه المواجهة مفتوح على مصراعيه، والأمر رهن الميدان ولا شيء غير الميدان.

اللاعبون المباشرون على الحلبة هم السنوار في غزة، وحسن نصر الله في جنوب لبنان، ونتنياهو في إسرائيل.

هؤلاء الثلاثة يديرون معارك معقّدة وغزيرة الخسائر، ولكلّ واحد منهم أجندة يبدو تحقيقها كالتراجع عنها أمراً في غاية الصعوبة.

أخذ السنوار على عاتقه موقعة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فلم يحرج أيّ طرف خارجي، ولو بمجرّد الحديث عن التنسيق معه، فأراح بذلك جبهة الممانعة وأيقونتها “وحدة الساحات“، ومنح إيران والحزب المساحة الكافية للمناورة والعمل، كلٌّ حسب أجنداته الخاصة وحساباته.

الصداع المؤلم

اختار السيد حسن نصر الله “التدخّل التضامنيّ” بالحدود المسموح بها لبنانياً أوّلاً، وإسرائيلياً ثانياً، وأميركياً وإيرانياً دائماً.

في غزة

على مدى شهور الحرب أثبت تدخّل الحزب قدراً لا بأس به من التأثير، إذ أنتج صداعاً مؤلماً لصنّاع القرار في إسرائيل، جرّاء نزوح مئات الآلاف من مستوطنات “غلاف الجليل”، إضافة إلى نزوح مثلهم من غلاف غزة، وهو ما وضع إسرائيل أمام حرب مزدوجة فرضت عليها، إمّا مواصلة الإدارة المحدّدة لها، أو التوسّع بها إلى حافة الحرب الإقليمية. ففي إسرائيل من يقترح بل ويصرّ على دمج جنوب لبنان بجنوب فلسطين وليكن ما يكون.

السنوار الذي وضع نقطة الانطلاق لكلّ ما هو حاصل الآن، ومع أنّ الحرب وصلت إلى معقله الأساسي ووضعته على المهداف حيّاً أو ميتاً، إلا أنّه لا يمتلك أيّ مساحة لتنازلٍ تريده إسرائيل، وحتى لو عرضت عليه المغادرة إلى أيّ مكان فخياره ورجاله تحت الأرض ومن فوقها.. القتال، فإمّا النصر وإمّا الشهادة، وخيار كهذا يبدو غير قابل لتسويات.

اللاعبون المباشرون على الحلبة هم السنوار في غزة، وحسن نصر الله في جنوب لبنان، ونتنياهو في إسرائيل
السيد حسن نصر الله لم يكن اليوم الأخير بالنسبة له كاليوم الأوّل، فما الذي يجري الآن؟ لقد انتقل قرار توسيع الحرب إلى يد إسرائيل، وإذا كانت لم تضع بعد تصوّرها لما بعد الحرب على غزة وفق العنوان الأميركي المفضّل “اليوم التالي“، فهي وضعت تصوّرها لما تريد على جبهة جنوب لبنان، على هيئة مطالب محدّدة اعتبرت الرضوخ لها شرطاً كي لا تقوم بعمل عسكري شامل ولا خطوط حمر عليه في جغرافية لبنان كلّه، ومثلما قيّدت نفسها بشعار النصر المطلق على غزة كشرط لإنهاء الحرب، فها هي تضع القيد ذاته في شأن جنوب لبنان، إذ ينبغي أن يعود النازحون من مستوطنات غلاف الجليل إلى بيوتهم، لكن هذه المرّة ليس وفق تفاهمات قديمة بل بمغادرة قوات الحزب إلى ما وراء الليطاني.

يعمل الوسطاء تحت ضغط رفض الحزب لمطلب كهذا، وضغط إصرار إسرائيل على تلبيته كشرط.

الأجندات المغلقة

منطقياً يرى الحزب أنّ معه كلّ الحقّ، فقوّاته تقف على حدود بلده، ثمّ ما هو مصير مئات آلاف الصواريخ الدقيقة، التي يملكها الحزب والتي يصل مداها إلى ما بعد بعد حيفا!

هل يكون المطلب الإسرائيلي التالي تفكيكها مثلما هو مطلبها بشأن أنفاق وسلاح غزة؟

لا حلّ سهلاً في وضع كهذا، فلا الحزب يهضم فكرة العودة إلى ما وراء الليطاني، بعدما كان يتحدّث عن احتلال الجليل، ولا إسرائيل في وارد ابتلاع المهجّرين المتكدّسين في الوسط ولن يعودوا إلا إذا ضمنوا أن لا تهديد لحياتهم ومساكنهم.

اجندات الأطراف الثلاثة التي تخوض الحرب المباشرة تبدو مغلقة تماماً على الوسطاء الذين يجيدون الحديث عمّا ينبغي أن يُعمل دون التقدّم ولو خطوة واحدة نحو ما يُعمل بالفعل.

مثلما هو الوقت في غزة عامل فتك بالناس الذين يترقّبون حسم الأجندات كذلك هو في جنوب لبنان وفي إسرائيل
في غزة يتحدّثون عن تسوية تُقام من خلالها دولة فلسطينية، كما لو أنّ ما يجري من مذابح ودمار هو من أجل إقامتها! وفي لبنان يجري حديث عن ترسيم الحدود البرّية على غرار البحرية، وفي كلتا الحالتين تبدو أجندة كلّ طرف بعيدة عن أجندات الوسطاء إلا إذا كان وراء الأكمة ما لا نعرف.

مثلما هو الوقت في غزة عامل فتك بالناس الذين يترقّبون حسم الأجندات كذلك هو في جنوب لبنان وفي إسرائيل.

في الأيام القليلة الماضية اتّسع نطاق الحرب على الجبهة الشمالية. كانت التقديرات المتداولة تستبعد الاتّساع وفق مقولة أن لا أحد يرغب في ذلك، غير أنّ ما ينبغي الانتباه إليه هو أنّ مفاجآت الميدان تفرض نفسها على المسارات السياسية، فلو قُتل في صفد مثلاً عشرات من الإسرائيليين ولو بمحض الصدفة أو بما يشبه ولو قليلاً ما حدث في السابع من أكتوبر، فساعتئذ يتغيّر المشهد كلّه، وهذا هو الحال.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...