الرئيسيةمقالات سياسيةالكلُّ مرتاح في لبنان إلاّ «لودريان»: إنّها أزمة كيان..

الكلُّ مرتاح في لبنان إلاّ «لودريان»: إنّها أزمة كيان..

Published on

spot_img

ينطبق على الموفد الرئاسي الفرنسي «جان إيف لودريان» ومهمّته المستحيلة، حسب «لوموند» الفرنسيّة، بيت الشّعر القائل:
«كلٌّ يدّعي وصلاً بليلىوليلى لا تقرّ لهم بذاكا»
وللمفارقة فإنّ الرّواة اختلفوا في نسبة البيت ولم يتّفقوا على صاحبه، وهذا «تقاطع» آخر يضيف شيئًا من الغموض حول زيارة «لودريان» وأهدافها الحقيقيّة.
قيل الكثير في «لودريان» قبل وصوله إلى لبنان، حُكي عن صرامته وجرأته في تظهير مواقفه حتّى تكاد تجانب اللّغة الدّيبلوماسيّة، فهو لا يجامل ولا يداهن ولا يساير، ويقول للمعنيين في حضورهم ما يحذر غيرُه من قوله في غيابهم، وهو الخبير في الشّأن اللّبناني والمطّلع عن كثب على تفاصيله وشياطينها.
وهو الّذي حذّر في أيلول 2020 من زوال لبنان يوم كان وزير خارجيّة بلاده، وشبّه البلد المتصدّع من انفجار المرفأ في حديث لصحيفة «لوفيغارو» بأنّه «تيتانيك بدون الأوركسترا، واللّبنانيّون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتّى الموسيقى».
فهل يؤدّي «لودريان» دور القبطان وينقذ السّفينة، أم يلعب دور المايسترو ليضيف شيئًا من الموسيقى الحزينة على غرقنا؟!

للأمانة فإنّ الرّجل يعرف لبنان، ويعرف بأنّ لكلّ كلمة هنا معنى يناسب سامعها، لذلك لم يقل سوى بضع كلمات عقب لقائه البطريرك الرّاعي رغم كثرة لقاءاته وطولها، ومع ذلك فسّر كلّ طرف كلماته على هواه.

وممّا قاله بعد مقدّمة وجدانيّة عبّر فيها عن مشاعره ومشاعر الرئيس الفرنسي اتّجاه لبنان:«أنا لا أحمل أيّ طرح لكنّني سأستمع إلى الجميع والحلّ في الدّرجة الأولى يأتي من اللّبنانيين».
رأى فريق التّقاطع في قول «لودريان»: «لا أحمل أيّ طرح» طيًّا لصفحة المبادرة الفرنسيّة الّتي قامت على ثنائيّة فرنجيّة – سلام، ورأى الفريق الدّاعم لفرنجيّة في العبارة نفسها تأكيدًا على تلك المبادرة، فهو إذ لم يحمل طرحًا يعني أنّ بلاده لم تزل على مبادرتها الأولى!
في الشّكل، زار لودريان معظم الأقطاب السّياسيين في مقرّاتهم لكنّه خصّ المرشّح سليمان فرنجيّة بدعوة إلى مأدبة غداء دامت ساعتين في قصر الصّنوبر.

اعتبر أنصار فرنجيّة أنّ في تخصيصه بدعوة إلى الغداء وتمييزه عن باقي الأفرقاء دليل على اهتمام خاصّ بالرّجل، وتأكيد على ميل فرنسيّ دائم للزّعيم الشماليّ.
أمّا خصوم فرنجيّة فاعتبروا الدّعوة منقصة في حقّه، كما اعتبروا سابقًا دعوة السّفير البخاري له على فطور الصّباح في منزله، ولو كان لفرنجيّة، حسب خصومه، ثقل سياسيّ كذلك الّذي لجعجع وباسيل لزاره لودريان في بنشعي كما زار معراب والبيّاضة.
هذه عيّنة عن النّفاق السّياسي اللّبناني، وعن الخفّة والاستخفاف في مقاربة أزمة مغلقة لم تعد محصورة باسم الرّئيس وهويّته السّياسيّة، بل في شكل الصّيغة وهويّة البلد في ظلّ تكتّل طائفيّ، يهدّد علنًا بفرط الصّيغة وطرح الفدرالية مباشرة أو مواربة.

هي حالة الإنكار الّتي يعيشها اللّبنانيّون، حسب توصيف لودريان نفسه عام 2020، لم تزل على حالها، لا أحد يريد الاعتراف بحجم الأزمة وعمقها، والكلّ يشتري الوقت من جيوب اللّبنانيين وأعصابهم وأرزاقهم ومصائر أبنائهم، ويراهن على متغيّرات كبرى في العالم والإقليم.
في تقييم لأداء الفريقين خلال شهور الفراغ الماضية وقع الطرفان في أخطاء تكتيكية زادت الأمور تعقيدًا، وكان من آثارها ابتعاد المتقاربين واقتراب المتباعدين ويأس اللّبنانيين.
فإذا كان ثنائي أمل-حزب الله قد دعا إلى الحوار في الأشهر الأولى، إلاّ أنّ بعض المواقف والخطابات لم تكن موفّقة، وبدت كأنّها تدعو الفريق الآخر للتوقيع على شروط مسبقة.
ولم يكن الثّنائي موفّقًا في تسمية فرنجيّة قبل أن يسمّي هو نفسه، فاستغلّ الخصوم هذه الثّغرة ليصوّروه مرشّح «الشّيعة» الّذي لا حول له ولا قوّة.
وقد أخطأ الثّنائي في تقدير موقف جبران باسيل عندما ظنّ بأنّه لن يذهب بعيدًا في التّباين معه، وفي الرّهان على وسطيّة وليد جنبلاط وحياده.
ومن المآخذ على الثّنائي تبنّيه فرنجيّة وإقفال الباب على البحث بأيّ اسم آخر، فلم يناوروا ولم يوزّعوا الأدوار ولم يحرقوا الأسماء، هي مبدئيّة ممدوحة ربّما، لكنّها في السّياسة مذمومة، وقد استغلّها خصومهم بذكاء فانقلب احترامهم لمرشّحهم وقناعتهم به اتّهامًا بالفرض والهيمنة والتّحدّي.
أمّا المتقاطعون، فهم وإن بدوا مرنين وواقعيين في تبديل الأسماء وتقليبها، فإنّ غياب الرّؤية والمشروع هو سبب تشتّتهم وتناقضهم رغم تقاطعهم، وهو أوّل أخطائهم وأكبرها.

نسيت القوّات والكتائب ومعهم معظم التغييريين أنّ الهدف الأساس هو إيصال مرشّح يعكس توجّهاتهم وخياراتهم السّياسيّة، وصار همّهم الوحيد، بالتّقاطع مع التيّار، منع الثنائي الوطني من إيصال مرشحه.
ولأجل تلك الغاية:
التقى جعجع مع باسيل بعدما ألقى عليه حرمًا سياسيًّا، واعتبره غريقًا لا يريد أن يمدّ له يدًا تنقذه، فإذا به يعوّمه، رغم عدم ثقته به، ويعيده لاعبًا مؤثّرًا على الساحة الرئاسية.
انقلب التّغييريون على مبادئهم وشعاراتهم، ورموا وراء ظهورهم كلّ صيحاتهم في وجه المنظومة، ليتقاطعوا على أحد مهندسي ماليّتها، جهاد أزعور، بالتّكافل والتّضامن مع أحد رؤوسها، جبران باسيل!
أمّا التيار فقد نسي تاريخه الحديث الذي صنعه مع حزب الله، بل الذي صنعه له حزب الله، وتنكّر لكل النّعم التي أغدقها عليه وعلى رئيسه، وليس آخرها انتخابات 2022 مع قانونها الذي فُصّل على قياس باسيل ليفوز بعد سقوطين سابقين.
في الأسابيع الأولى للفراغ كانت الأزمة سياسيّة، ثمّ تحوّلت إلى أزمة نظام بعد تخطّي المعارضة سقوف النّقاش السّياسيّ، إلى الحديث عن تغيير الصّيغة واللّامركزيّة الموسّعة.
أمّا بعد جلسة 14 حزيران، والاصطفافات الحادّة الّتي أفرزتها، بتنا أمام «أزمة كيان»، وقد فُتح الهواء للنّقاش في الفدراليّة وما بعدها، في مقابل إصرار ثنائي أمل حزب الله على فرنجية رئيسًا لـ «لبنان الطّائف».
بدايةَ الاستحقاق الرّئاسي اتُّهم الثّنائي بمعادلة «فرنجية أو الفوضى»، أمّا الآن وفي مواجهة مشاريع الطّلاق والانفصال، لا بدّ من تعديل المعادلة لتصبح «فرنجيّة أو النّظام».

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...