الرئيسيةمقالات سياسيةالفوضى القانونية في إنفجار مرفأ بيروت

الفوضى القانونية في إنفجار مرفأ بيروت

Published on

spot_img

منذ تاريخ 4/ آب 2020، تاريخ إنفجار مرفأ بيروت الى الآن، نجد أن هذه القضية التي هزّت ضمير المجتمع اللبناني والعربي والعالم قد مرّت في محطات قانونية مختلفة، لا سيّما بعد إحالة هذه القضية الى المجلس العدلي، ولعل أبرزها هو مواد الإدعاء من النيابة العامة التمييزية أمام المحقق العدلي ومسألة الإختصاص بين القضاء العادي والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والمحاكمة الخاصة للقضاة والحصانات، الى طلبات الرد ونقل الدعوى ومخاصمة الدولة الناشئة عن أعمال القضاة وآخرها تعيين محقق عدلي إضافي..
وانّ كل محطة من هذه المحطات رافقتها عواصف من المناقشات التي ارتدت في معظم الأحيان طابعاً غير موضوعي ولا سيّما على وسائل التواصل الإجتماعي، حيث انبرى كثيرون الى تدوين آراء ومواقف فيها من الإساءات والتجاوزات قدر كبير بعيداً عن الرصانة الحقوقية التي ينبغي لها ان تسود الموضوع..
سأحاول في هذا المقال والأسطر القليلة مقاربة المسألة الأخيرة، مسألة تعيين محقق عدلي إضافي في قضية إنفجار مرفأ بيروت من زاويةٍ قانونية بحتّة، من دون الخوض في المواجع العميقة التي خلّفها الإنفجار في نفوس جميع المواطنين اللبنانيين وعلى رأسهم ذوو الضحايا أولاً، وتوقف التحقيق في هذه القضية ثانياً…

ألفت النظر أولًا إلى أنّ الفقرة الثانية من المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، نصّت صراحةً على أن يتولى التحقيق في أية قضيةٍ تُحال إلى المجلس العدلي، قاضي تحقيق يُعينه وزير العدل بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى. ولكن النص يسكتُ عن إمكانية تعيين قاضٍ إضافي أو منتدب يحلّ محلّ الأصيل أو حتى يرافقه. وهذا ما تنبه له عدد من النواب الذين تقدموا باقتراح قانون يرمي إلى تعيين محققين عدليين مساعدين للقاضي طارق بيطار، بغية معاونته في بعض إجراءات التحقيق التي يكلفهم بها بسبب ضخامة الملف المتكون أمامه. إن مجرد التفكير بهذا الاقتراح، يعني أن النص الحالي لا يسمح، وإلا لما كان من ضرورة لاقتراح التعديل. فضلًا عن ذلك، من الثابت في علم القانون، أن تشكيل المحاكم ودوائر التحقيق والنيابات العامة وسائر الهيئات القضائية على اختلافها جميعًا، أمرٌ متعلق بالانتظام العام القضائي ولا يجوز لأيٍّ كان مخالفته. فإذا كان النص يتحدث في قاضي تحقيق واحد فلا يصح تعيين اثنين. مع التأكيد على أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وإن أي إجراء يتخذ بالفرع يمس الأصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأن الفرع هو جزء من الأصل وإن أي تقسيم من هذا القبيل هو تقسيم تعسفي ولم يقم به أحد من قبل.
علمًا أنّ التبرير الذي سيق لتعيين محقق عدلي إضافي، أعني أوضاع بعض الموقوفين الصحية، هو تبرير غير موفقّ على الإطلاق. فالموقوف المريض يُمكن نقله إلى المستشفى، وهذه حال عشرات لا بل مئات الموقوفين في السجون اللبنانية. لقد كان ينبغي تبرير هذا القرار بأسبابٍ ومبادئ قانونية أكثر عمقًا لئلا يسرب إلى ذهن أحد أن تخلية سبيل كلّ موقوفٍ مريض في ملف تفجير المرفأ، حاصلة بلا ريب على يد المحقق العدلي الاضافي بمجرد وضع يده على طلبات تخلية السبيل.
ولا بد هنا من البحث عن حلول لأشخاص وهم قلائل مكثوا في السجن أكثر مما ينبغي إلا أن هذا يجب أن يكون مرتبطاً بكثرة من الموقوفين المحجوزة حريتهم بسبب اعتكاف القضاة فالبحث عن حل فردي يجب أن يكون دافعاً على البحث عن حل لمئات الموقوفين.
وعليه، فإنني اعتقد أنه من صميم مهام وزير العدل أن يجد حلاً لاعتكاف القضاة لا سيما لجهة الموقوفين.
بالإضافة إلى ذلك إنّ قرار تعيين محقق عدلي اضافي لمهامَّ محددة تحت عنوان حالات طارئة فهو باطل لانتفاء صلاحية كلٍّ من وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى في تحديد مهام أي قاضٍ في أي دعوى أو ملف تحقيق. فالقانون وحده يحدد صلاحيات المراجع القضائية على اختلافها، كما يحدد أصول الطعن في هذه الصلاحيات، مرورًا بطلبات الرد ونقل الدعوى وصولًا إلى طلب تعيين المرجع في حالتَي التنازع الإيجابي والسلبي حول الصلاحية. أما تحديد صلاحيات المحقق الإضافي وتقييدها ببعض الطلبات، بموجب قرار صادر عن وزير العدل، فعمل إداري باطل يبيح للمتضررين منه الطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة وفقًا لأصول المراجعات الإدارية.
وأكثر من ذلك ومن حيث المبدأ لا وجود سابقة في التاريخ بأن هناك قاضياً يعين للطوارئ ويحجب عنه الأساس فهي صلاحية شاملة، فإذا نظر إلى الأساس ووجد مبرراً لاتخاذ تدابير طارئة كان ذلك من صميم صلاحيته الأساسية وليست من صميم صلاحيته الطارئة ، هذه الصلاحية الطارئة لم يشهد القانون مثيلاً قبل ذلك.
وفي مطلق الأحوال، إن المحقق العدلي أو أي قاض آخر عندما يضع يده على ملف ما، فإنما بكل تفاصيله دون استثناء. ولا يجوز مطلقًا تقسيم الصلاحيات القضائية في ملف واحد بين أكثر من قاضٍ، وإلا وقعنا في محظور الخلاف والاختلاف بينهم حول الإجراءات أو القرارات، وهذا يسيء إلى فكرة العدالة بالمطلق.
أما استناد قرار التعيين إلى سابقة نفاها القاضي المعني، فهو أيضًا من العيوب التي تعتور هذا القرار، خاصةً وأن المبدأ القانوني يبيح اعتماد السابقة القانونية الصحيحة فقط لا تلك الباطلة المنفي حدوثها.

وهنا نلفت نظر وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى إن البحث عن حل جزئي بتعين قاضي حددت صلاحيته مسبقاً لم يحل المشكلة بل قد يزيدها تعقيداً أكثر، إن هذا القاضي أيضاً يمكن أن يتعرض لما تعرض له القاضي بيطار لجهة الرد أو الإرتياب المشروع أو مداعاة الدولة وهذه الأمور يمكن أن تحدث فبدلاً من أن نجد حلاً وجدنا مشكلة جديدة مركبة تضاف إلى المشكلة الاصلية.

ولكي لا نبقى في إطار النقد فقط، نرى انّ الحلّ الأمثل في قضية انفجار مرفأ بيروت هو باعتبار رؤساء غرف التمييز المكلفين الذين يصدرون قرارتٍ نهائية في القضايا العادية، بمنزلة أعضاءٍ في الهيئة العامة لمحكمة التمييز كاملي الصلاحية للبت بطلبات نقل الدعوى؛ فلو حصل ذلك لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

هذه خواطر قانونية عرضَت لي وأحببت أن أشاركها المعنيين علنًا، مؤمنًا في الوقت نفسه بما قاله الإمام الأكبر أبو حنيفة عندما سئل: “هذا الذي تفتي به، أهو الحقُّ لا شكَّ فيه؟” فأجاب: “والله ما أدري! فقد يكون الباطل الذي لا شك فيه”. لكنَّ بي رجاءً أكيدًا أن قضية انفجار المرفأ، لا ينبغي لها أن تكون صاعقًا يؤدي إلى تفجير السلطة القضائية، التي عليها تنعقد آمال الشعب اللبناني في تحقيق العدالة في كلِّ الملفات.

أحدث المقالات

باسيل: أنا مرشّح طبيعي للرئاسة!

أكّد رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل, "نحنا بدّنا رئيس ما نستحي نجاوب...

فرنسا “طيّرت” فرنجيّة.. وأزعور يحقّق تقدّماً طفيفاً

تطوّران رئاسيّان أساسيّان سُجّلا في الساعات الماضية. السفيرة الفرنسية آن غريو أبلغت رئيس مجلس...

ليف في بيروت: لا تردّوا على نتانياهو.. والأسوأ لم يأتِ بعد

إنّها الزّيارة الأولى للبنان التي تقوم بها مُساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى...

بنشعي غير قلقة وتنتظر تطورات خارجية تنعكس على لبنان: انسحاب فرنجية ليس بالبساطة التي يتوقعها البعض

تحوّلات الإقليم المرتبطة بالاتفاق الإيراني – السعودي، تترافق مع حراك ديبلوماسي يتكثف يوماً بعد...

المزيد من هذه الأخبار

الصين تبادر لـ”ملء الفراغ” الأميركي

كان اتخاذ القرارات بناء على منظور استراتيجي، الميزةَ الرئيسة للصين. كان هذا فعالاً وحاسماً...

توجهات جديدة في السياسات الخارجية للسعودية

تاريخيا، كانت السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية تقترب كثيرا من مواقف الولايات المتحدة باستثناء...

فرنسيس.. بابا الفقراء: لبنان الفقير يحتاجُه

الأربعاء 13 آذار 2013: كانت أنظار العالم موجّهة نحو عاصمة الكثلكة. بعد أكثر من...

بانتظار لغة الحزب.. الصينية

الحديث السائد في البلد.. هو عن التعطيل. المنابر تضجّ بالحديث عن معطّلين لا تُعلَن...

كمال جنبلاط خارج السياسة: شعر وتقمص وروحانيات

يروي كمال جنبلاط "لم يكن لدي في البداية سوى خيار الذهاب إلى منطقة صحراوية...

لماذا تُخيف البلديات السلطة؟

تخاف السلطة من الانتخابات البلدية، ألف مرة انتخابات نيابية، ولا مرة انتخابات بلدية، لماذا؟...

برّي إلى الرياض… على بركات بكين

بعد الإعلان في بكين عن التوصّل إلى اتفاق بين الرياض وطهران يوم الجمعة الماضي،...

أزمة البنوك الأميركيّة: الإفلاس الذي يشتهيه اللبنانيّون

كان يمكن لبنك "سيليكون فالي" أن يستمرّ بالعمل لأربع سنوات أخرى، من دون أن...

السعودية تغيّرت.. هل تخطت الخطوط الأميركية الحمر؟

مع خبر توقيع الإتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، يكون قد تبدّد الشك عند كل...

فرنجيّه يستعدّ: ترشّح وزيارات و”٢٤ قيراط”

كتب أنطوان غطاس صعب في موقع mtv: بات من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون مفصلية...

“اتّفاق الحرير”: من بكين إلى بنشعي؟

في كتابِها الحامل عنوان: "العلاقات السعوديّة-الإيرانيّة منذ بدايات القرن العشرين حتّى اليوم"، تقول الباحثة...

إتفاقٌ مُربِكٌ لـ”الحزب” وفرصة جديدة للقوى السيادية

 السوري، وصحيحٌ أنّها تواصل عمليات التشييع القسرية في مناطق احتلالها، غير أنّ هذا «الاحتلال»...

“السيّد” آخر من يَعلَم؟

أربعة أيام فقط فصلت بين الإعلان الإيراني-السعودي برعاية بكين حول إعادة العلاقة الدبلوماسية بين...

الفخّ الإسرائيليّ: اتّفاق الترسيم بين الدولتين اللبنانية – الاسرائيلية

نُشرت في الأيام الأخيرة على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني وثيقةٌ تحت الرقم 71836 موقّعة...

حسم الاستحقاق الرئاسي محكوم بفترة لا تزيد على الشهرين أو الثلاثة

ذكر مصدر سياسي مطلع لـ «الديار» انه من السابق لاوانه معرفة نتائج الاتفاق السعودي...