الرئيسيةمقالات سياسيةالفراغ الرئاسي المتعمّد: المزيد من التدهور الاقتصادي!

الفراغ الرئاسي المتعمّد: المزيد من التدهور الاقتصادي!

Published on

spot_img

هناك فرق كبير بين الفراغ الدستوري الذي يتمثّل اليوم في خلوّ موقع رئيس الجمهورية، وتفريغ الكيان اللبناني من أيّ سلطة شرعية ودستورية قادرة على اتّخاذ القرارات الإصلاحية الضرورية وتنفيذها. التنافر بين مكوّنات السلطة السياسية مستمرّ لجهة شرعية ودستورية اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، وشرعية ودستورية اجتماعات الهيئة العامّة لمجلس النواب للتشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، واليوم السؤال الذي على لسان كلّ مواطن لبناني هو: هل نصبح على حاكم جديد لمصرف لبنان بعد 31 تموز 2023؟ الانتظار في لبنان هو سيّد الموقف، والغموض هو الوضع الذي يفرض نفسه على الساحة السياسية، ويتوجّب علينا أن نشكر ربّ الكون الذي أنعم على وطننا لبنان بالقطاع الخاصّ الذي أطلق عجلة إعادة تكوين الذات، واستطاع بصموده أمام الأزمات وبأدائه المميّز أن يحقّق الاستقرار النقدي والاقتصادي، لكنّ استمرار الفراغ الرئاسي قد يُفرغ كلّ هذه الإنجازات من مضمونها ويعيدنا إلى نقطة الصفر.

المغتربون يحنون على المقيمين
بفضل قطاع خاصّ أثبت قدرته على التأقلم مع المتغيّرات الاقتصادية والصمود، وحنوّ قلب لبنان الاغتراب على وطنه الأمّ، استطاع لبنان أن يثبت قدرة استثنائية، مع كلّ الصعاب وغياب السلطات عن أداء مهامّها، على إطلاق عجلة إعادة تكوين الذات. أسقطت مكوّنات السلطة السياسية الإصلاحات الضرورية المتوجّبة والمتوقَّعة منها من غير حسيب ولا رقيب، وذلك في سبيل الحفاظ على مكاسبها من الفساد. ولهذا السبب لن تُتَرجَم إنجازات القطاع الخاصّ نموّاً ونهضة اقتصادية، بل قدرة مميّزة على إنقاذ وإنعاش الذات والصمود فقط.

الممرّ الإلزامي لتحقيق كلّ ما ورد ذكره هو انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم إجرائه يعزّز من حصول “الارتطام الكبير” الذي قد يصل إلى عزلة لبنان عن الأسرة الدولية

سيبقى الاقتصاد الوطني يتأرجح تحت رحمة الظروف بانتظار أن تتحرّك السلطة السياسية بسرعة على نحو مسؤول بحيث تتوجّه إلى الشعب اللبناني بمسؤولية وشفافيّة وتبلغه بالأسباب الموجبة التي دفعت بالسلطة السياسية إلى إعلان التوقّف التامّ عن خدمة الدين العام في 7 آذار 2020 في ظلّ غياب تامّ لخطّة واضحة المعالم للتفاوض مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة وجدولة الدين. تداعيات هذا التعثّر غير المنظّم معروفة من قبل الجميع، وترقى إلى درجة الجريمة بحقّ كلّ مواطن لبناني. لم يهلك هذا التعثّر المودع فقط، بل أهلك الاقتصاد والبلاد والعباد. هذا التقرير عن الأسباب الموجبة لهذا التعثّر هو الممرّ الإلزامي لإطلاق عجلة ترميم الثقة بين المواطن والدولة، وهو الأمر الأساسي في إعادة بناء الوطن وتكوين الاقتصاد، وبعدئذٍ سيكون من الممكن والمستطاع الاهتمام بالاستحقاقات الدستورية التي تُشكّل ركيزة أساسية في بناء الوطن. والخطوات الأساسية هي:
1- انتخاب رئيس الجمهورية لم يعد استحقاقاً دستورياً فقط، بل غدا استحقاقاً مصيرياً، ومن دونه لبنان ذاهب إلى المجهول.
2- تشكيل حكومة قادرة على إصدار وتنفيذ قرارات إصلاحية ضرورية.
3- إتمام التعيينات القضائية وغيرها في مراكز أساسية في الدولة.
4- تعيين حاكم يخلف رياض سلامة بعد انتهاء إقامته على مقعد رئاسة السلطة النقدية في 31 تموز 2023. إنّه الاستحقاق الأهمّ لأنّه في ظل عجز السلطة السياسية عن ممارسة الحوكمة الرشيدة في إدارة الشأن العامّ، سوف يُكلَّف مصرف لبنان بقيادة الاقتصاد الوطني إلى خارج هذه الأزمة كما كان الفاعل الأكبر في أيام الأزمة.
5- إعادة هيكلة مصرف لبنان من خلال إلغاء سلطة مصرف لبنان على لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصّة، ومراجعة التعيينات الحالية في مصرف لبنان ولجنة الرقابة وهيئة التحقيق الخاصة قبل تعيين حاكم لمصرف لبنان لأنّه قد يكون من الضروري الذهاب أبعد من تعيين حاكم جديد فقط.

6- إجراء الانتخابات البلدية وإقرار القوانين الضرورية لتعزيز اللامركزية الإدارية.
7- إقرار قانون، في سياق إعادة انتظام العمل المصرفي، يجعل من كلّ الودائع بالليرة اللبنانية ودائع جاهزة ومتوفّرة غبّ الطلب لتوظيفها في تمويل فواتير الاستهلاك، ويجعل جميع الودائع بالعملة الأجنبية ودائع استثمارية ذات استحقاقات معيّنة تُحدَّد وفق حجم الوديعة، ويتوجّب تحويلها إلى العملة الوطنية على سعر صرف يعكس واقع الحال في الاقتصاد عند طلب الاستعمال (السحب قبل الاستحقاق). أمّا عند السحب في تاريخ الاستحقاق، فتدفع بعملة الإيداع أو يُعطى المودع خيار تحويلها إلى أسهم في المصرف (bail in).
8- إقرار قانون يُلزم جميع المؤسّسات (من تجارية وتعليمية وغيرهما) بتوطين رواتب موظّفيها في حسابات مصرفية بالليرة اللبنانية، ويفرض على المصارف العودة إلى ممارسة واعتماد الشمول المالي نهجاً أساسياً لعملها، وإلى العمل بوسائل الدفع المتاحة (بطاقات دفع، بطاقات ائتمان، شيكات، تحويل، …) بالحدّ الأدنى وبالليرة اللبنانية.
9- إصدار قانون يضبط الاستيراد العشوائي لمدّة سنتين أو أكثر للتخفيف من الطلب على الدولار والعملة الأجنبية وتعزيز الإنتاج المحلّي.
10- تفعيل العمل باتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات من أجل محاربة التهرّب الضريبي (Common Reporting Standard – CRS) التي تضمّ ما يقارب 112 بلداً.

انتخاب الرئيس هو الممرّ الإلزامي
الممرّ الإلزامي لتحقيق كلّ ما ورد ذكره هو انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم إجرائه يعزّز من حصول “الارتطام الكبير” الذي قد يصل إلى عزلة لبنان عن الأسرة الدولية بسبب العقوبات التي قد تقرّها الإدارة الأميركية و/أو الأوروبية ضدّ البرلمانيين المعطِّلين عمداً انعقاد جلسات انتخاب الرئيس. وفي ظلّ هول ما قد يحدث من تطوّرات بسبب عدم انتخاب رئيس، يدور حديث جدّيّ عن توجّه نوّاب حاكم مصرف لبنان الأربعة إلى تقديم استقالاتهم لتفادي إلقاء مسؤولية هذا الارتطام عليهم، وقد لا يحصل. هذه المشهدية الضبابية تارة والسوداوية تارة أخرى تعطي مساحة إضافية للمضاربين والمحتكرين والمجرمين للتحكّم بالبلاد والعباد.

يعمل مصرف لبنان اليوم على ضمان انتقال “بارد”، من دون أيّ صدمات اقتصادية ونقدية سلبية، من الحاكم الحالي رياض سلامة إلى النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري بالتعاون التامّ مع جميع أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان إلى حين تعيين حاكم جديد للمركز. وقد قام مصرف لبنان بالمستطاع في إدارة الأزمة فيما تابعت مكوّنات الطبقة السياسية أداءها المستهجَن. ويتزامن انتهاء إقامة رياض سلامة على رأس السلطة النقدية مع فراغ رئاسي، وتمّ تصنيف هذا الظرف الاستثنائي بالأزمة المرتقبة، ولذلك سوف يقوم مصرف لبنان باللازم لتبديد تداعياتها السلبية.

أحدث المقالات

إنفراجات «خماسية» و«بلوكاج داخلي»: الإستحقاق في الثلاجة

في مقابل التحولات التي شهدتها مجموعة «لقاء باريس الخماسي» في أعقاب «لقاء نيويورك الثالث»...

هكذا جنّدت إيران مسؤولين أميركيّين للترويج لـ”اتّفاق نوويّ”

نظّمت إيران شبكة سرّيّة من "العملاء" على مستوى دبلوماسي عالٍ، بين عامَي 2014 و2015،...

إشارات استئناف التفاوض بين إيران وأميركا تشمل لبنان؟

يغرق اللبنانيون أكثر فأكثر في دوّامة البحث عن الرئيس: هل هو في اتفاق يحصل...

تسوية الحدود من يقبض ثمنها الرئاسي: “الحزب” أم عون؟

منذ أيام ويشهد الجنوب اللبناني حالة استنفار دائمة بين الجيش اللبناني من جهة، وجيش...

المزيد من هذه الأخبار

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

هل يهز “الحزب” العصا الرئاسية لباسيل؟

تصطدم دعوة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري للحوار بمقاومة سياسية تتزعمها قوى المعارضة...

اشتباكات دير الزور: الاستراتيجية الأميركية بخطر؟

على الرغم من انتهاء المواجهات المسلّحة في دير الزور بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)...

هل يخدم التمديد لقائد الجيش ترشيحه للرئاسة؟

كعادة انقسامهم حول جنس الملائكة، ينقسم اللبنانيون في مواقفهم وتقييماتهم لكل المسارات الداخلية والخارجية...

الحزب: قطر تسوّق لسلّة أسماء!

في لحظة انتقال "إدارة" الملفّ الرئاسي من الفرنسي إلى القطري وتقدُّم خيار المرشّح الثالث،...

قائد الجيش في مرمى “التيار”

عاد اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ليطرح كتسوية للأزمة الرئاسية المستمرة منذ نحو...

الامن والديموغرافيا والنزوح والحوار: هواجس اللبنانيين بلا أجوبة

توضع الملفات والاحداث اللبنانية المتزاحمة والطاغية على المشهد، في سلّة واحدة، فإما تقود المساعي...

 برّي: طاولة حوار كتل لا تفاهمات ثنائية وثلاثية

ما يقوله الرئيس نبيه برّي أمام زواره إن رفض البعض الحوار الذي يدعو إليه...

“أمر اليوم” الأميركيّ: بقاء جوزف عون في اليرزة!

في ظلّ "الكربجة" الرئاسية الكاملة وانتقال الخلاف على الملفّ الرئاسي من أروقة عين التينة...

  أبعد من المراوحة الرئاسية | لقاء نيويورك: إبقاء لبنان متعثّراً

بين لقاءَي نيويورك الأول والثاني، عام كامل حفل بأحداث ومبادرات رئاسية، فرنسية وقطرية. الثابت...

راقصة بوتين أو “جاسوسته” في لبنان

ليل 7 – 8 أيلول الجاري، كان المطار العسكري في قاعدة حميميم الروسية على...

بين عون و”السيّد”… رجالات العهد الذين انقلبوا ضدّه!

في جلسة خاصة جَمَعت شخصية قريبة من خطّ المقاومة مع الأمين العامّ للحزب السيّد...

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...