الرئيسيةمقالات سياسيةالفخّ الإسرائيليّ: اتّفاق الترسيم بين الدولتين اللبنانية - الاسرائيلية

الفخّ الإسرائيليّ: اتّفاق الترسيم بين الدولتين اللبنانية – الاسرائيلية

Published on

spot_img

نُشرت في الأيام الأخيرة على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني وثيقةٌ تحت الرقم 71836 موقّعة من الأمين العام تفيد أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل أصبحت معاهدة دولية سنداً إلى المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ونالت شهادة اعتراف كـ”اتفاقية بحرية بين دولة إسرائيل والحكومة اللبنانية”، ممّا تسبّب بتوجيه انتقادات إلى السلطة اللبنانية بأنّها قفزت فوق “المحظور” الذي حذّر منه الكثيرون والمتمثّل في كون اعتبار الاتفاقية معاهدة يشكّل اعترافاً لبنانياً بدولة إسرائيل.

مفاوضات الترسيم والقفز فوق الألغام

في بداية مفاوضات الترسيم يوم كان الوفد المفاوض لا يزال يرأسه العميد بسام ياسين، كان يدور كلام عن أنّ المفاوضات يفترض أن تحصل من دون ترك أي ثغرة لإسرائيل تتسلّل منها لتحويل المفاوضات إلى اعتراف لبناني بوجودها، بحيث يتمّ إجراء المفاوضات وإبلاغ الإحداثيات التي يوافق عليها لبنان إلى الوسيط الأميركي بشكل يقطع الطريق على إسرائيل لانتزاع اتفاقية مع لبنان.

ترى مصادر مطّلعة على سير المفاوضات أنّ الانتقادات “فارغة” لأنّ لبنان أرسل رسائله إلى الوسيط الأميركي وليس إلى إسرائيل، وبالتالي لا يتحمّل المسؤولية عن أيّ نص لأيّ معاهدة بين لبنان وإسرائيل

في الشكل تولي إسرائيل أهمية كبرى لهذه النقطة تحديداً، وذلك ضمن عملها المستمرّ لردم الهوّة الثقافية والنفسية والاجتماعية في مسألة العداء بين لبنان وبينها. وعليه، وبغضّ النظر عن مضمون الاتفاقية، يبقى لشكله أهمية استراتيجية إسرائيلية تدخل في تضييق الهوامش التي تفصل بينها وبين شعوب المنطقة في مراحل الصراع العربي الإسرائيلي. لذلك كان على لبنان القفز فوق الألغام، ولا سيما مع تكراره على لسان مسؤوليه أن هذه المفاوضات ليست معاهدة، وبالتالي ليست بحاجة إلى مرورها عبر مجلسَي النواب والوزراء لتصبح معاهدة رسمية مسجّلة في الأمم المتحدة. غير أنّ حسابات اللبنانيين لم توافق حسابات البيدر الإسرائيلي.

تسلّل إسرائيل لتسجيل المعاهدة

مع انتقال المفاوضات إلى المرحلة الثانية، كانت السلطة اللبنانية المعنية، ولا سيما رئاسة الجمهورية ورئيسَي مجلس النواب والحكومة، تؤكّد مراراً أنّ لبنان لن يوقّع اتفاقية مع إسرائيل، الأمر الذي كان أولوية أيضاً بالنسبة لحزب الله. لذلك اعتقد اللبنانيون يومها أنّ توجيههم رسائل إلى إسرائيل عبر المفاوض الأميركي يجنّب لبنان إحراج الدخول في اتفاقية مع إسرائيل.

“عن معرفة أو عن جهل أو عن إهمال أو تواطؤ، لا فرق والنتيجة واحدة”، يقول مطّلعون على الملف. وبغض النظر عن حصول الاتفاق لأنه كان سيحصل بنفس الشروط عاجلاً أم آجلاً، يحصل النقاش حالياً في الشكل فقط، ولا سيما أن مجموعة من النواب، ومنهم “التغييريون”، طالبوا يومها السلطة اللبنانية المفاوِضة بإطلاعهم على المفاوضات انطلاقاً من حقّهم النيابي، وهو أمر لم يحصل.

وفق مصادر قانونية لـ”أساس”، يبدو أنّ الوثيقة المنشورة في موقع الأمم المتحدة تدلّ علي أنّه تمّ تسجيل تبادل الرسائل مع الجانب الأميركي كمعاهدة دولية بين “دولة إسرائيل” والجمهورية اللبنانية لدي الأمانة العامة للأمم المتحدة علي أن يتم نشرها في مجموعة المعاهدات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة (UN Treaty Collection).

وفق مصادر دبلوماسية طلبت إسرائيل من الأمم المتحدة تسجيل المعاهدة بينها وبين لبنان في 22 كانون الأول الماضي فجاء الجواب إيجاباً بعد درس الطلب في 14 شباط الماضي

ومن وجهة نظر قانونية، استطاعت إسرائيل أن تثبت أنّ تبادل الرسائل يتحوّل إلى مستند قانوني، جاعلةً الأمم المتحدة تسجّله ضمن خانة المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية، وهذا ما حصل، وذلك استناداً إلى سوابق حصلت بين دول متخاصمة اعتمدت وسيطاً عبر رسائل متبادلة وتحوّل اتفاقها إلى اتفاقية أو معاهدة دولية.

واحدة من هذه السوابق هي المفاوضات التي استندت إليها اسرائيل، والتي حصلت بين قطر والبحرين عام 1987 من أجل حلّ النزاع الحدودي بين الدولتين الذي لعبت فيه السعودية دور الوسيط، فتحوّلت يومها الرسائل المتبادلة إلى اتفاقية دولية بعدما قدّمت المملكة العربية السعودية طلباً إلى محكمة العدل الدولية التي اعتبرت لاحقاً أنّ تبادل الرسائل بين البحرين وقطر من خلال الوسيط السعودي اتفاقية دولية .

وفق مصادر دبلوماسية طلبت إسرائيل من الأمم المتحدة تسجيل المعاهدة بينها وبين لبنان في 22 كانون الأول الماضي فجاء الجواب إيجاباً بعد درس الطلب في 14 شباط الماضي.

في المقابل، ترى مصادر مطّلعة على سير المفاوضات أنّ هذه الانتقادات “فارغة” لأنّ لبنان أرسل رسائله إلى الوسيط الأميركي وليس إلى إسرائيل، وبالتالي لا يتحمّل المسؤولية عن أيّ نص لأيّ معاهدة بين لبنان وإسرائيل، خصوصاً أنّ في “نص الاتفاقية، الذي وقّع عليه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، فقرة تشير إلى مطالبة لبنان الأمم المتحدة بإيداع الإحداثيات التي أرسلها لبنان، وبالتالي إدراج الأمم المتحدة للبند المتعلّق بالترسيم هو طلب لبناني ولا يندرج في إطار المعاهدة”. وتضيف هذه المصادر قائلة إنّه إذا “كان الانتقاد منطلقاً من ذكر دولة إسرائيل في المفاوضات، فهو كان يجب أن يحصل منذ اتفاقية الهدنة وصولاً إلى حرب تموز واتفاقية الإطار وغيرها من المحطات التاريخية التي جرت فيها مفاوضات بين لبنان وإسرائيل”. تتحدّث هذه المصادر بسخرية عمّا سُمّي “الفضيحة” قائلة إنّه “ما كان باستطاعة لبنان أن يقوم بغير ما قام به”.

ختاماً، ما حصل قد حصل، ولا سيما أن إرادة اللبنانيين تؤكّد ضرورة المضيّ قدماً ليس فقط في ترسيم الحدود مع إسرائيل، بل ومع سوريا، عسى أن يبدأ لبنان بالاستفادة من ثرواته. لكن بعض الانتقادات أجمعت على أنّه كان يمكن للبنان أن يتجنّب الوقوع في الفخ الإسرائيلي. فوفق مصادر قانونية كان يمكن للبنان أن يعلن أحاديّاً عن إحداثياته، وأن تعلن إسرائيل أحادياً عن إحداثياتها، فلا يتحوّل هذا الإعلان إلى رسائل تشير إلى الاتفاق مع إسرائيل على الحدود. وبالتالي كان يمكن للبنان أن يتجنّب الوقوع في فخّ طالما أكّد المسؤولون أنّه لن ينجح. فهل كان يملك لبنان فعلاً هامش الحركة؟

أحدث المقالات

  لا رئاسة في المدى المنظور: مرحلة مواجهة جديدة بأدوات مختلفة

بين إشاعة أجواء تسهيل حوارات داخلية لتسوية رئاسية، وعودة حزب الله إلى التشدد رئاسياً،...

لوائح بأسماء المرشحين للرئاسة: حرق المبادرات وهدر الفرص

يتعاطى الأفرقاء اللبنانيون مع الاستحقاق الرئاسي بانعدام الجدّية، كما مع كل المبادرات أو المساعي...

 الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

بعد أسابيع الانشغال بزيارة الموفد الفرنسي الخاص جاء دور الانشغال بزيارة الموفد القطري للأيام...

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

المزيد من هذه الأخبار

بين عون و”السيّد”… رجالات العهد الذين انقلبوا ضدّه!

في جلسة خاصة جَمَعت شخصية قريبة من خطّ المقاومة مع الأمين العامّ للحزب السيّد...

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...

الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض

في خضمّ الغموض المتواصل حول مصير الجهود الخارجية للتوصّل إلى اتفاق على انتخاب رئيس...

هويّة الرئيس عنوان المرحلة..

منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تمّ استبدال النفوذ السوري، الذي كان...

دجاجة الإنتخاب أولاً أم بيضة الحوار..؟!

ماذا تنفع كل الجهود والوساطات والإجتماعات التي تُعقد على مختلف المستويات، وخاصة بالنسبة للقاء...

دُفنت منصّة صيرفة ورأت «بلومبورغ» النور

طُويت صفحة منصّة صيرفة، ودُفنت في الدروج والدهاليز الرسمية، وستُذكر في كتب تاريخ أكبر...

الودائع أحرجت الجميع وأسقطت الاتفاق والخطة

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت...

الحزب يحاور “المسيحيين”… أحزاباً وفرادى

في مواجهة التحدّيات المختلفة التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم، عمد المسؤولون في الحزب خلال...

برّي لـ«اللواء»: جلسات متتالية على طريقةانتخاب بابا روما

يكاد الرّئيس نبيه برّي يكون الوحيد الّذي يحمل على عاتقه هموم الأمن والسّياسة والرّئاسة...

 الاخبار تنشر نص وثيقة دبلوماسية من سفارة عربية في بيروت

علاقة العرب بفكرة المؤامرة ملتبسة إلى حدّ تمرير مؤامرات كبيرة لا يقتنع أحد بها،...

 لودريان: عدنا إلى النقطة الصفر

انتهت، أمس، زيارة الموفد الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان بإعادة تثبيت الوقائع السياسية...

أيّ «النصابين» مطلوب: لـ«طاولة حوار» أم لـ«جلسة انتخاب»؟!

قبل ان تنتهي الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات المقبلة،...

عين الحلوة هل يلحق بنهر البارد؟

كلام القيادي الفلسطيني الفتحاوي عزام الأحمد عن وجود أطراف خارجية تُغذي القتال المستمر في...

باب التحوُّلات فُتِح في الشرق الأوسط

في أيلول الجاري، هناك حدثان يُعتبران من علامات المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط: الأول...