الرئيسيةمقالات سياسيةالطريق إلى الصين ليس بالضرورة حريراً

الطريق إلى الصين ليس بالضرورة حريراً

Published on

spot_img

في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي انقسمت الدول العربية إلى قسمين: دول تحالفت مع الولايات المتحدة والغرب استفادت من الحماية الأمنيّة الأميركية وفُتحت لها أبواب الغرب تسليحاً وتعليماً،  ودول اتّبعت النظام الستاليني والأحزاب الشمولية ولاقت مصير النظام الشيوعي مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

عالم متعدّد الأقطاب
كثر الحديث أخيراً عن عالم متعدّد الأقطاب وإمكانية لعب أدوار على الساحة الدوليّة تستفيد من التناقضات والصراعات الكبرى من أجل تحقيق مكاسب إقليمية. إلا أنّ  تعدّد الأقطاب يتطلّب قراءة جيّدة لتجنّب الخوض في رهانات خاطئة وسوء تقدير. الدول الصغيرة إقليمياً يمكن أن تكون ساحة أو تُكلّف بأدوار مرحلية، لكن هذا لا يعني أنّها بالضرورة أصبحت  تمتلك  قراراً أو نفوذاً لا يتناسب مع أحجامها الطبيعية إنّما يتناسب مع قدراتها الدبلوماسية والأمنيّة. إنّ لعبة تعدّد الأقطاب هي حصراً للدول الكبرى اقتصادياً وعسكرياً.
هناك مبالغة في تقويم تأثير الدور الصيني في المنطقة لأنّه منافس للحقبة الأميركية التي حكمت المنطقة سياسياً وعسكرياً في العقود الماضية.
لقد فضّلت الأنظمة العربيّة الشموليّة الاتحاد السوفيتي لأنّه لم يكن يسعى إلى ترويج المفاهيم الديمقراطية والمشاركة السياسية، فشعرت هذه الأنظمة بالراحة السياسية والاستقرار، لكنّها دفعت ثمناً كبيراً على المدى البعيد بعد انهيار المنظومة الشيوعية. واليوم يتراءى لبعض الدول العربية بأنّ التقارب مع الصين قد يعطيها استقراراً سياسياً لأنّها لا تشترط إصلاحات سياسية ولا تتدخّل في الشؤون الداخلية وليست اعتبارات حقوق الإنسان على أجندة سياستها الخارجية. فالصين تقارب الدول بما هي أسواق لمنتجاتها، وتسعى دائماً إلى تأمين مشاريع بنى تحتية لشركاتها.

من المتوقع أن تستمر العلاقات الصينية العربية وتحديداً الخليجية في التطوّر والتعمّق. الصين تعد شريكاً اقتصادياً مهماً للدول الخليجية، حيث تستورد الصين كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي من المنطقة

العلاقات الصينيّة العربيّة إلى الأمام
من المتوقّع أن تستمرّ العلاقات الصينية العربية، وتحديداً الخليجية، في التطوّر والتعمّق. تُعدّ الصين شريكاً اقتصادياً مهمّاً للدول الخليجية، إذ تستورد الصين كميّات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي من المنطقة. وقد تشهد العلاقات الصينية الخليجية توسّعاً في المجالات الاستثمارية والتجارية، بما في ذلك البنية التحتية والطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا.
ولكن من الضروري أن تتنبّه الدول التي تفضّل التعامل مع الصين إلى أنّ التنافس الأميركي مع الصين سيكون سمة المرحلة الكبرى، وأنّ احتواء الصين هو أمر يتعلّق بالأمن القومي الأميركي لأنّه يهدّد زعامة الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعني أنّ الولايات المتحدة لن تتساهل مع أيّ صفقة أو اتفاقية  تهدّد المصالح الأميركية في المنطقة. لقد شهدت الصين نموّاً اقتصادياً هائلاً على مدى العقود الأخيرة، إذ أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، لكنّ هذا النفوذ لم يترجَم على الساحة الدولية مساعدات للدول النامية والفقيرة.
وتتنافس الصين والولايات المتحدة في مجالات عدّة مثل التجارة الدولية والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار. والصين تُعتبر منافساً قوياً في الصناعات التصنيعية وتجارة السلع، وتسعى إلى تطوير تكنولوجيّاتها الخاصة وزيادة قوّتها التكنولوجيّة. في الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على موقعها حيث هي المركز الرئيسي للابتكار والتكنولوجيا والشركات العالمية.
يترتّب على هذا التنافس العديد من التحدّيات والتأثيرات الاقتصادية والسياسية، ويمتدّ تأثيرها إلى العديد من القطاعات والدول في العالم.

تواجه العلاقات الأميركية الصينية عدّة تحدّيات أمنيّة وجيوسياسية تشمل التنافس في منطقة بحر الصين الجنوبي، وقضية تايوان، والتجسّس التجاري والأمن السيبرانيّ. وفي كلّ هذه القضايا يبقى دور الدول العربية محدوداً لأنّها أسواق استهلاكية لكلا الطرفين وحسب.
وعلى الرغم من رغبة الصين في لعب دور دبلوماسي في حلّ النزاعات الدولية، خصوصاً بعد رعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، يبقى هذا الدور  محدوداً لعدّة أسباب، منها عدم تزامن المبادرات الصينية مع حوافز ومساعدات اقتصادية لأطراف النزاع، وافتقار الصين  إلى علاقات تاريخية مع أطراف النزاع في منطقة الشرق الأوسط. وتظهر محدودية النفوذ الصيني على مستوى القوّة الناعمة، فالمجتمعات العربية على الرغم من معارضتها للسياسات الغربية والأميركية، وخصوصاً في ما يخصّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبقى غربيّة الهوى ثقافياً. والدليل على ذلك عدد الطلاب العرب الذين يتابعون تحصيلهم العلمي في الولايات المتحدة والدول الغربية.

هناك جدل في الولايات المتحدة في ما يخصّ المواجهة مع الصين يتمحور حول كون المنطقة العربية ساحة صراع أم وظيفتها التشويش والإلهاء عن المعركة الكبرى وحسب. في كلتا الحالتين سيكون دور الدول العربية في أفضل الحالات مواكباً للتطوّرات وليس فاعلاً. ولكن يمكن حصد مكتسبات إذا ما اختارت هذه الدول الخيارات العقلانية والمنطقية بعيداً عن الانفعالات والارتجالية حتى تتجنّب دفع أثمان الخيارات الخاطئة كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي تلتها.

أحدث المقالات

إنفراجات «خماسية» و«بلوكاج داخلي»: الإستحقاق في الثلاجة

في مقابل التحولات التي شهدتها مجموعة «لقاء باريس الخماسي» في أعقاب «لقاء نيويورك الثالث»...

هكذا جنّدت إيران مسؤولين أميركيّين للترويج لـ”اتّفاق نوويّ”

نظّمت إيران شبكة سرّيّة من "العملاء" على مستوى دبلوماسي عالٍ، بين عامَي 2014 و2015،...

إشارات استئناف التفاوض بين إيران وأميركا تشمل لبنان؟

يغرق اللبنانيون أكثر فأكثر في دوّامة البحث عن الرئيس: هل هو في اتفاق يحصل...

تسوية الحدود من يقبض ثمنها الرئاسي: “الحزب” أم عون؟

منذ أيام ويشهد الجنوب اللبناني حالة استنفار دائمة بين الجيش اللبناني من جهة، وجيش...

المزيد من هذه الأخبار

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

هل يهز “الحزب” العصا الرئاسية لباسيل؟

تصطدم دعوة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري للحوار بمقاومة سياسية تتزعمها قوى المعارضة...

اشتباكات دير الزور: الاستراتيجية الأميركية بخطر؟

على الرغم من انتهاء المواجهات المسلّحة في دير الزور بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)...

هل يخدم التمديد لقائد الجيش ترشيحه للرئاسة؟

كعادة انقسامهم حول جنس الملائكة، ينقسم اللبنانيون في مواقفهم وتقييماتهم لكل المسارات الداخلية والخارجية...

الحزب: قطر تسوّق لسلّة أسماء!

في لحظة انتقال "إدارة" الملفّ الرئاسي من الفرنسي إلى القطري وتقدُّم خيار المرشّح الثالث،...

قائد الجيش في مرمى “التيار”

عاد اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ليطرح كتسوية للأزمة الرئاسية المستمرة منذ نحو...

الامن والديموغرافيا والنزوح والحوار: هواجس اللبنانيين بلا أجوبة

توضع الملفات والاحداث اللبنانية المتزاحمة والطاغية على المشهد، في سلّة واحدة، فإما تقود المساعي...

 برّي: طاولة حوار كتل لا تفاهمات ثنائية وثلاثية

ما يقوله الرئيس نبيه برّي أمام زواره إن رفض البعض الحوار الذي يدعو إليه...

“أمر اليوم” الأميركيّ: بقاء جوزف عون في اليرزة!

في ظلّ "الكربجة" الرئاسية الكاملة وانتقال الخلاف على الملفّ الرئاسي من أروقة عين التينة...

  أبعد من المراوحة الرئاسية | لقاء نيويورك: إبقاء لبنان متعثّراً

بين لقاءَي نيويورك الأول والثاني، عام كامل حفل بأحداث ومبادرات رئاسية، فرنسية وقطرية. الثابت...

راقصة بوتين أو “جاسوسته” في لبنان

ليل 7 – 8 أيلول الجاري، كان المطار العسكري في قاعدة حميميم الروسية على...

بين عون و”السيّد”… رجالات العهد الذين انقلبوا ضدّه!

في جلسة خاصة جَمَعت شخصية قريبة من خطّ المقاومة مع الأمين العامّ للحزب السيّد...

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...