الرئيسيةمقالات سياسية“الصبر الاستراتيجي” للحزب أمام امتحان الحرب التكنولوجية الإسرائيلية

“الصبر الاستراتيجي” للحزب أمام امتحان الحرب التكنولوجية الإسرائيلية

Published on

spot_img

لطالما تسلّح حزب الله بمعادلة “الصبر الإستراتيجي” في معركته ضد العدو الإسرائيلي. ومنذ سنوات يتجهز الحزب لموعد الحرب الكبرى، والتي لم يحن أوانها بعد. فما بعد عملية طوفان الأقصى، أعلن أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، أن المواجهة الحالية هي للمراكمة بالنقاط وليست موعداً للحرب الكبرى أو حرب تحرير القدس.
عمل الحزب منذ العام 2006 إلى اليوم على مراكمة قدراته العسكرية، وخصوصاً الصاروخية المتطورة والطائرات المسيّرة وغيرها. في الوقت نفسه كان الإسرائيليون يعملون على مراكمة قدراتهم، وأجروا عشرات المناورات العسكرية التي تحاكي اندلاع حرب مع الحزب، أو تحاكي اجتياحاً برياً لجنوب لبنان، إلى جانب المناورات الحربية التكنولوجية.

البعد التكنولوجي
مع بداية المواجهات الحالية، أبرز الإسرائيليون سلاحهم التكنولوجي. فارتكزوا في عملياتهم على هذا العنصر أكثر من العنصر العسكري التقليدي والتدميري. ينحسر الأسلوب التدميري في القرى الأمامية للشريط الحدودي. أما الفعالية الأساسية في المعركة فكانت تقنية، والتي تختلف فيها آليات الحرب الحالية عن كل ما كان سائداً سابقاً، ولا سيما في حرب تموز. تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ ضربات موجهة ونوعية، إما بحق شخصيات وكوادر من الحزب، وإما ضد أهداف أساسية وحساسة. وإذا صدقت أقوال الإسرائيليين حول استهداف مواقع ومخازن وغرف تشغيل طائرات مسيرة ومنصات لإطلاق الصواريخ، فهذا يندرج في سياق الحرب التقنية لا الحرب العسكرية. هذه الحرب التي وصلت إلى تحذير أمين عام حزب الله من استخدام الهواتف الخلوية، ومن حجب كاميرات المراقبة عن شبكة الإنترنت وإطفائها. وهذا بحد ذاته يظهر البعد الآخر للحرب.
يشير ذلك إلى ما أقدم عليه الإسرائيليون من اختراق الأمن السيبراني اللبناني ككل، من شبكات الإنترت والخوادم الهاتفية، والوصول إلى أرقام هواتف المقاومين أو أفراد عائلاتهم أو المقربين منهم. وهو ما استخدم في الوصول إلى بصمة الصوت، التي على أساسها تم تنفيذ الكثير من عمليات الاغتيال.
كان الرصد عبر الهواتف وشبكات الاتصالات هو المنطلق الأولي في هذه المواجهة المفتوحة منذ 8 تشرين الأول. ولكن ما بعد التحذيرات لدى الحزب واستخدام أساليب جديدة، لجأ الإسرائيليون إلى الرصد والتمحيص في تحرك الآليات التي لا يرصد فيها أي إشارة لهاتف. بمعنى أن أي سيارة في الجنوب تتحرك ولا تصدر منها إشارة هاتفية، أصبح الإسرائيليون يتعاطون معها باعتبارها تقل أحد كوادر الحزب، الذين لجأوا إلى الاستغناء عن هواتفهم. وقد تم تنفيذ عمليات استهدفت سيارات كان فيها عناصر من الحزب، وآخرها عملية البازورية التي استهدف فيها علي عبد الحسن نعيم، والذي لم يكن يستخدم أي هاتف خلوي. هذه المعطيات يدرسها الحزب ويعمل على مواجهتها. كما تمكن في فترة سابقة من منع المسيرات الإسرائيلية في النجاح بعمليات اغتيال لعدد من كوادره بالارتكاز إلى تقنية معينة. اليوم يبحث الحزب عن تقنية جديدة.

التشويش والطائرات المسيّرة
تتسع الحرب التقنية لتطال المطار الذي يتعرض منذ فترة إلى تشويش يؤثر على مسار الطائرات. وحسب المعلومات، فقد اضطرت أكثر من طائرة إلى تغيير مسارها أو التأخر عن الهبوط بانتظار استخدام تقنية تقليدية غير الاعتماد على تقنية نظام GPS، الذي يتعرض للتغير ويعطي إحداثيات خاطئة. هذا التشويش والحرب التقنية ربما يكونان مرتبطين إما بسعي إسرائيلي إلى مزيد من الاختراقات لكل الأنظمة الألكترونية والتقنية اللبنانية، أو تتصل بمحاولة للتشويش على إشارات الطائرات المسيّرة أو الصواريخ الموجهة والدقيقة. هنا لا بد من العودة بالذاكرة إلى عملية معوض سنة 2019، والتي استخدم فيها الإسرائيليون طائرتين مسيرتين. الأولى كانت مهمتها استكشافية لتحديد هدف، والثانية مهمتها انتحارية. وحسب المعلومات، فحينها الهدف الذي كان مرصوداً يتعلق بالطائرات المسيرة.
يبقى السؤال الأساسي إذا كانت هذه الحرب التي تقوم بها إسرائيل، هي لتحقيق أهداف اساسية في ظل هذه الظروف القائمة والاستفادة منها. وبالتالي، لضرب قدرات حزب الله والمساهمة في تراجعها، أم أنها مرتبطة بالتمهيد لخوض معركة أوسع في المرحلة المقبلة؟ لا يتوانى حزب الله عن تطوير آلياته التقنية لمواجهة هذه القدرات الإسرائيلية على الاختراق.
وحزب الله بالتأكيد يريد تجنب الحرب الواسعة، وفي هذا المجال العسكري هو يطور من معادلة الصبر الإستراتيجي، إلى ما ينطبق فيه قول الشاعر العراقي مظفر النواب: “كما الإسفنجة تمتص الحانات ولا تسكر”. هنا يبدو الحزب كما الاسفنجة، يمتص الضربات ولا ينكسر.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...