على الرغم من الرتابة في المواجهات العسكرية بين حزب الله واسرائيل، والتي أصبحت تقتصر على ضربات وضربات مضادة، إلى جانب سعي الإسرائيليين لاستهداف مخازن أسلحة أو تنفيذ عمليات اغتيال.. إلا أن هناك محاولات إسرائيلية دائمة لتغيير طبيعة المعركة أو أسلوبها. وهو ما جرى في اليومين الماضيين. ما يدفع إلى التوقف عنده مراقبة حيثياته وتداعياته. ولكن قبل الدخول في تفاصيل ما جرى، لا بد من الإشارة إلى أنه بالتزامن مع أي جولة تفاوض يبرز تصعيد في المواجهات، أو رفع سقف التهديدات والتصريحات من قبل كل طرف لتحسين شروطه.
فقبل زيارة هوكشتاين إلى لبنان، استعرض حزب الله قدراته الدفاعية الجوية. وهو ما تكرر ليل الأحد الإثنين، وذلك في إطار الرد على تكثيف الخروقات الجوية الإسرائيلية لأجواء المناطق اللبنانية وصولاً إلى البقاع.
الجو.. والأرض
من هنا، يمكن الدخول إلى التطورات الميدانية، وهي ثلاثة. أولاً، تغطية الأجواء اللبنانية بالمسيّرات الإسرائيلية، وتحديداً التحليق فوق مدينة صور بكثافة، والتحليق فوق صيدا، والوصول إلى البقاع. وعند الحديث عن هذا النوع من التحليق، فهو لا يعني تحليقاً عادياً أو روتينياً كما كان يجري في السابق، إنما تحليق مكثف له أهداف وغايات معلوماتية تتصل برصد مواقع أو أهداف أو إيصال رسائل أمنية للحزب، حول الاستعداد لاستهداف مناطق بعينها في العمق وليس فقط في الجنوب. هذا الأمر دفع حزب الله إلى الاستنفار أكثر واستخدام مضاداته باتجاه الطائرات، لكنه استخدم اسلحة تقليدية ولم يستخدم صواريخ أرض جو متطورة مثل التي استخدمها لإسقاط المسيرة هرمز.
في موازاة هذا التحليق، كثف الإسرائيليون عملياتهم وغاراتهم الجوية على بلدة عيتا الشعب، والتي تقع على الخط الحدودي الأمامي. هناك هدف بالتأكيد وراء هذا التصعيد الكبير واستهداف أحياء بكاملها وتدميرها، وهو ما يرتبط بجملة إحتمالات. أولاً، إمكانية أن يكون الإسرائيليون في صدد اعتماد مبدأ التهجير الممنهج لأهالي هذه المنطقة، من خلال تدميرها، وسط صعوبة في إعادة الإعمار سريعاً. وبذلك يقول الإسرائيليون لسكان المستوطنات الشمالية بأنهم تمكنوا من إبعاد الحزب بنتيجة هذا التدمير وإعدام مقومات الحياة. ثانياً، أن يكون الهدف من هذه العمليات هو اختبارات لقدرات الحزب العسكرية والدفاعية في تلك المنطقة بعد طوال هذه المواجهات. أما الاحتمال الثالث، فهو أن يكون الهدف من التدمير جعل المنطقة مفتوحة، في إطار استعراض القوة، والإشارة إلى القدرة على التوغل فيها في حال قرر الإسرائيليون اجتياحاً برّياً لبعض القرى الحدودية، إما للادعاء بالقدرة على اجتياحها، وإما لزرعها بالعبوات والألغام مثلاً في محاولة منهم لإقامة شريط آمن.
ولكن هنا لا بد من التذكير إلى أن عيتا الشعب كانت من أبرز القرى التي سعى الإسرائيليون للدخول إليها في حرب تموز عام 2006، وقد تعرضوا لكمائن كثيرة فيها من قبل الحزب.
اختبار الدفاعات
بالتزامن مع القصف العنيف الذي تعرضت له عيتا الشعب، أعلن حزب الله في بيان منتصف ليل الأحد الإثنين، عن تصديه لقوة برية إسرائيلية، كانت تحاول التوغل في منطقة الوزاني، وأنه استهداف هذه القوة بالقذائف وتمكن من إبعادها. وهذا أيضاً يقود إلى احتمالات متعددة، أبرزها أن يكون تكثيف الضربات على عيتا الشعب هدفه إشغال الحزب عن مناطق أخرى. أو أن تكون محاولة التوغل في الوزاني هي اختبار لقدرات حزب الله العسكرية والدفاعية ومدى جهوزيته البرية. وهذا نوع من الاختبار يجريه الإسرائيليون في حال قرروا الدخول برّياً. هنا لا يمكن إغفال محاولات حزب الله السابقة لإجراء اختبارات أيضاً عندما كان يفكر باحتمال قيامه بعملية لاقتحام المستوطنات. فكان يجري اختبارات للخواصر الرخوة في الجدار الإسرائيلي أو الشريط الشائك، وفي حينها كانت تصدر أخبار بين فترة وأخرى عن توقيف أشخاص حاولوا اجتياز الحدود.