لم تكن حادثة «الكحالة» سوى نتيجة طبيعيّة لفائض التّحريض الّذي يمارس على المقاومة وسلاحها منذ سنوات، وكان يكفي أن يُفتح الهواء على مدى ساعات لإشعال البلد لولا حكمة قيادة الجيش وحُسن تدبيرها وقدرة الضّبّاط والجنود على ضبط المنفعلين من الأهالي، والموتورين من النّوّاب والمسؤولين الّذين سبقوا النّاس إلى خطاب الفتنة بدل أن يكونوا عامل ضبط ووعي وحكمة.
السؤال الدّاهم الّذي يسبق «سلام» أيّ صديق أو قريب: هل ستقع الحرب؟
أبتسم وأقول: ألسنا في قلب الحرب؟!
ماذا ستترك الحرب من تداعيات أكثر من انقطاع الماء والكهرباء وغلاء الأسعار وإقفال المؤسسات وقوافل الهجرة وفظاعة الجريمة؟!
كم قتيل يسقط يومياً بحوادث السير وجرائم القتل وعمليّات الانتحار؟!
وكلّها ازدادت بسبب غياب الدّولة والقانون وتراخي قبضة السّلطة.
ألسنا في قلب الحرب؟!
في الحرب الأهليّة الأولى كانت البنادق ورصاصاتها أدوات القتل والتّقدّم على المحاور، وكانت أكياس الرّمل تشكّل الحواجز والسّواتر.
أمّا اليوم، في الحرب الأهليّة الثّانية صار سلاح «X» أكثر فتكاً وقتلاً من «كلاشنيكوف» والحواجز النّفسيّة المصنوعة من الخطابات الطّائفيّة والمذهبيّة أخطر من السّواتر التّرابيّة.
ألسنا في قلب الحرب؟
في الحرب الأهليّة الأولى كان القتل على الهويّة، واليوم، في الحرب الأهليّة الثّانية القتل أيضاً على الهويّة، وإن صار القتل معنويًّا، فثمّة من يريد قتل طائفة كاملة نفسيًّا بالتّحريض والتّحطيم والعزل، وتصوير أبنائها على صورة الخارجين عن القانون والدّولة والنّظام.
ألسنا في قلب الحرب؟!
في الحرب الأهليّة الأولى اختلّ التّوازن الدّولي لصالح الولايات المتّحدة والإقليميّ لصالح «إسرائيل» فشعرت فئة بفائض القوّة والحماية، وكان ما كان على مدى خمسة عشر عاماً انتهت بهزيمة حلفاء المنتصرين، واليوم، في الحرب الأهليّة الثّانية يشعر المهزومون القدامى بالغبن والظّلم والتّهميش ويقرأون في الميزان الدّولي والإقليمي فرصة لتعويض ما فاتهم قبل ما يقرب من أربعين عاماً.
أمّا الفريق الآخر فله قراءة مناقضة لتلك القراءة، وهنا يكمن الخطر الكبير على ما تبقّى ممّا يسمّى «لبنان الكبير»!
ألسنا في قلب الحرب؟!
في الحرب الأهليّة الأولى أخطأ سائق بوسطة عين الرّمانة الطّريق (حسب إحدى الرّوايات) وكانت الأرضية جاهزة والنّفوس مشحونة فبدأت الحرب، واليوم، في الحرب الأهليّة الثّانية أخطأ سائق شاحنة الكحالة، فقد السّيطرة وانقلبت شاحنته، والأرضيّة جاهزة والنّفوس مشحونة، ولكن، ثمّة من لا يريدها حرباً شاملة وثمّة خلل في موازين القوى، وثمّة ظروف تمنع الانفجار الكبير، حتّى حين..
ومن قال بأن يبقى الحال على حاله؟!
بين بوسطة عين الرّمانة وشاحنة الكحالة وطن تائه على طريق دوليّ كثير التّقاطعات والمفارق والمطبّات، ولا إشارات ضوئيّة فيه، فبعض ساسته أطفأوا لغة العقل والمنطق والوطنيّة، وقرّروا الانقياد عن بُعد عبر الأقمار الاصطناعيّة.
لن نقف عند المواقف الخطيرة الّتي أطلقت في لبنان أمس، لأنّ ما يحصل في الشّمال السّوري يختصر ما يحصل في الدّاخل اللّبنانيّ، وينبئ بخطورة المرحلة القادمة.
ولكن، قطع الطّريق بين سوريا إيران يوازيه في الخطورة قطع طرق المقاومة في لبنان!