لم تنزل خطوة الرئيس نبيه برّي بردًا وسلامًا على محور التّقاطع الأزعوري، فتعيين جلسة الانتخاب في 14 حزيران الجاري كان مفاجئًا للّذين نظّموا حملة إعلاميّة وسياسيّة تتّهم رئيس المجلس بتعطيل الانتخاب عبر تسكير البرلمان، وفي ظنّهم أنّ برّي خائف من الأرقام الّتي قد ينالها المرشّح المختفي عن الأنظار جهاد أزعور.
وفيما تشنّ قوى المعارضة حربًا نفسيّة على فرنجيّة وحلفائه يقودها النّائبان مارك ضو الّذي لمّح إلى عزل “المكوّن الشّيعي” ووضّاح الصّادق الّذي يروّج إلى قدرة أزعور على حصد 65 صوتًا فما فوق، يعمل ثلاثي أمل حزب الله والمردة على دراسة وتقييم خطوات ما بعد أزعور، فالتّرشيح الغامض ساقط من أساسه من حساباتهم لأسباب كثيرة، أبرزها:
-أين جهاد أزعور؟ هل رآه أحد أو سمعه أحد؟ وهل قبلَ حقًّا بأن يكون كبش محرقة فداءً لباسيل وجعجع في حرب الإلغاء الّتي تُشنّ على ابن منطقته وبيئته سليمان فرنجيّة؟ هل هو مرشّح أصلًا(يسأل النّائب نديم الجميّل، أحد الّذين رشّحوه)
-نُقل عن أزعور في مناسبات عدّة بأنّه لن يقبل بالتّرشّح ما لم يلقَ موافقة من الثّنائي الشّيعي أو أحد طرفيه، وقيل بأنّه وعد الرّئيس نبيه برّي بذلك، فما موقفه بعدما أعلنت حركة أمل عبر مكتبها السّياسي وحزب الله عبر عدد من نوّابه وقياداته باعتباره مرشّح تحدّ لهما؟
-والإشكاليّة الأهمّ: لو افترضنا، جدلاً، بأنّ أزعور وداعميه المحلّيين والدّوليين أمّنوا له 86 صوتًا ليفوز من الدّورة الأولى، هل يتحمّل هؤلاء عزل “الشّيعة” في هذه المرحلة الّتي توصف بالصّعود والتّطوّر وحتّى الانتصار في حروب المحاور.. في رأي الثّنائي فإنّ مجرّد التّفكير بمقبوليّة هذه الفكرة يعني إعادة عقارب الزّمن أكثر من ستّين سنة إلى الوراء، إلى العام 1960 يوم شُكّلت “حكومة الأربعة” برئاسة “رشيد كرامي” وغياب الشّيعة منها، فأيّ عقل يصدّق بأنّ الأمريكيين الّذين يفاوضون إيران على برنامجها النّووي، والّتي جرّبت قبل يومين، بنجاح، صاروخًا فرط صوتيًّا يصل “تل أبيب” في غضون 4 دقائق، وفي وجود حزب الله على حدود فلسطين المحتلّة مدجّجًا بترسانة صاروخيّة دقيقة تشكّل رعبًا وجوديًّا للكيان الصّهيونيّ، من يصدّق بأنّ الأمريكيين في وارد المواجهة في لحظة المتغيّرات الكبرى الّتي يشهدها العالم والمنطقة؟!
– سؤال آخر يرد على ألسنة المتابعين للشّأن الرّئاسي: هل ستضحّي السّعوديّة بتفاهمها مع إيران من خلال تسهيل كسر “الشّيعة” رئاسيًّا في لبنان؟! فمعلوم بأنّ عددًا وازنًا من النّوّاب ينتظر إشارة واضحة من المملكة ليحدّد مسار تصويته، وبما أنّ سفير المملكة توقّف نشاطه عند إبلاغه من التقاهم بالحياد الإيجابي فإنّ معظم نوّاب السّنّة لن يغامروا بافتعال توتّر سنّي شيعي في لبنان في الوقت الّذي تشهد فيه المنطقة تهدئة وتفاهمًا غير مسبوق وصف بأنّه سنّي شيعيّ.
لهذه الأسباب وغيرها الكثير لا جدوى من ترشيح أزعور، ولا أفق أمامه سوى إعلان انسحابه عاجلًا أو آجلًا، هذا إذا ارتضى لنفسه أداء المهمّة “المشبوهة” الّتي ورّطه بها جعجع وباسيل.
ولذلك يعمل الثّنائي الوطني بهدوء لتقطيع مرحلة أزعور بأقلّ الخسائر الممكنة، والخسائر هنا تكمن زيادة منسوب التّوتّر السّياسي والطّائفي في البلد، وعند هذه النّقطة يقف حزب الله متحسّرًا على مواقف النائب جبران باسيل.
حسرة الحزب متأتّية من حرصه على المكوّن المسيحيّ الّذي كان يشكّل التّيّار بتحالفه معه وبخطابه المتمايز عن جعجع ضمانة وطنيّة تخدم المصلحة العامة اجتماعيًّا وإستراتيجيًّا، أمّا وأنّ باسيل قد انساق خلف الخطاب الفئوي والطّائفي فتلك خطيئة في حقّ تاريخ الرئيس السّابق ميشال عون وإرثه الوطنيّ، خصوصًا بعد جرأة تفاهم مار مخايل في ذروة الانقسام الطّائفي الّذي تلا اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وتحت ضغط الحرب النّفسيّة الّتي تشنّها آلة إعلاميّة منظّمة ومحترفة، تخرج بين الحين والآخر “زحطات” من بعض المحلّلين والإعلاميين نتيجة الاندفاع في الدّفاع عن موقف الثّنائي ومرشّحه سليمان فرنجيّة، وفي هذا الإطار قال قياديّ في الثّنائي:
“نحن الأشدّ تمسّكًا بالصّيغة اللّبنانيّة واتّفاق الطّائف، ومن موقع القوّة وليس الضّعف، فقد عرضت علينا المثالثة منذ سنوات ورفضناها، لأنّنا مؤمنون بصيغة لبنان الفريدة في الشّرق وضنينون بالدّور والوجود والحضور المسيحي على رأس الدّولة وفي جميع مفاصلها، ويسأل أولئك الّذين يتّهمون الثّنائي بممارسة شيعيّة سياسيّة:
– ألم يتّهم الرئيس نبيه برّي باحتضانه للرئيس السّابق سعد الحريري في كلّ الظّروف حتى قال يومًا بأنّه مع الحريري ظالمًا أو مظلومًا؟! أليس ذلك من منطلق الحرص على الوجدان السّنّي كون الحريري وتيار المستقبل الأكثر تمثيلًا وحضورًا؟!
– ألم يعطّل حزب الله انتخابات الرّئاسة أكثر من سنتين لإيصال الجنرال عون الّذي كان يمثّل أكثر من 70% من الشّارع المسيحييّ، أليس حرصًا الحضور والوجود والدّور المسيحي الّذي شعر بالغبن بين عامي 1990 و 2005؟!
– ألم يدعم الثّنائي توجّه التّيّار القوّات بإقرار قانون الانتخاب المشوّه وطنيًّا بهدف تمكين المسيحيين من انتخاب ممثّليهم؟
– ألا يؤخذ على الرئيس بري علاقته الخاصّة بالوزير السّابق وليد جنبلاط، كونه ممثّل الدّروز الأوّل، وبسبب علاقاته مع تلك الشّخصيّات السّياسيّة التّاريخيّة صار يسمّى “بي المنظومة” وتصوّب عليه السّهام تحت هذا العنوان!
يتابع القيادي: دعم ترشيح فرنجية لا يخرج عن سياق احترام المكوّن المسيحي وحضوره السّياسي الوازن، يبدو هذا الطّرح غريبًا، يسأل، ثمّ يتابع:
عام 2015 اجتمع الموارنة واعترفوا بالأربعة الأقوياء في بيان كنسيّ موقّع من الزّعماء الأربعة الّذين يمثّلون الوجدان المسيحيّ.
أحد هؤلاء، العماد عون، صار رئيسًا وانتهت ولايته، والآخَرَين، جعجع والجميّل، غير مرشّحين ولا حظوظ لهما، يبقى فرنجيّة، وهو أقوى المرشّحين وأكثرهم جدّيّة ووطنيّة وحضورًا على السّاحة السّياسيّة منذ أكثر من ثلاثين عامًا بشخصه ومئة عام ببيته، فهل صار الموظّف الإداريّ، مع كامل الاحترام لشخصه ووظيفته، أكثر تمثيلًا واحترامًا لبيئته!!
فليسمحوا لنا، وليخافوا الله في الوطن وفي فرنجيّة نفسه الّذي يحيي الذكرى الـ 45 لإبادة عائلته، ألم يكتفوا بذلك، فهل يريدون اغتياله معنويًّا وسياسيًّا أيضًا؟! وما ذنبه؟ أنّه وطنيّ وعروبيّ فعلًا لا قولًا؟!