أبلغ الموفد الرئاسي الأميركي والوسيط في التفاوض على ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين مسؤولين لبنانيين مطلع الأسبوع المنقضي أنه لم يطرح في مفاوضاته مع المسؤولين الإسرائيليين الشهر الماضي، خلال زيارته إلى تل أبيب أي اقتراح لانسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أو حتى موضوع الانسحاب الإسرائيلي من شمال بلدة الغجر المحتلة، وبالتالي لا جواب لديه حول ما يقال في بيروت في هذا الشأن.
وكان الحديث في بيروت عن انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة جاء في سياق الإلحاح الدولي على تطبيق القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن من أجل إبعاد جبهة جنوب لبنان عن شبح توسّع الحرب عبر خطوات عدة يجب تنفيذها وفقاً لمندرجات القرار كالآتي:
– العودة إلى وقف الأعمال القتالية بين لبنان وإسرائيل، الذي كان قائماً قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لمدة 17 سنة. وهو أمر تنصّ عليه الفقرة الأولى التنفيذية من القرار والتي تعتبر (بالنص الحرفي) أن هذه الخطوة «تستند بصورة خاصة إلى وقف «حزب الله» الفوري جميع الهجمات، ووقف إسرائيل الفوري جميع العمليات العسكرية الهجومية».
– الانتقال من حالة وقف الأعمال القتالية إلى حالة «الوقف الدائم لإطلاق النار» الذي نصّ عليه القرار الدولي في فقرته الثامنة التي تتضمّن 6 نقاط منها احترام الخط الأزرق، و»إنشاء منطقة خالية من المسلحين والمعدات والأسلحة بينه وبين نهر الليطاني… والتنفيذ الكامل لأحكام اتفاق الطائف بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة في لبنان غير أسلحة الدولة اللبنانية أو سلطة غير سلطتها».
الكثير من النقاط الواردة في القرار الدولي غير منفّذ، بدءاً بأبسط الإجراءات وهو وقف الأعمال القتالية، التي عادت في شكل خطير بين «حزب الله» (ومعه تنظيمات فلسطينية لنصرة المقاومة في غزة) والجيش الإسرائيلي. من بين الفقرات التنفيذية الـ18 للقرار، الأكثر إلحاحاً في الظروف الراهنة هو الفقرة الأولى، لأنّ مخاطر انفلات الأمور جرّاء المواجهات الدائرة على الحدود والتهديدات الإسرائيلية بإبعاد «حزب الله» عن الحدود، هي سبب اندفاع الدول الكبرى المعنية بلبنان إلى التشديد على التنفيذ «الكامل» للقرار…
التنفيذ «الكامل»، بما يشمل ترسيم الحدود، بما فيها مزارع شبعا، والذي ينصّ عليه القرار في الفقرة العاشرة دونه صعوبات كبرى، رغم أنّ رئيس البرلمان نبيه بري تناول الأمر مع هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة. ولربما هذا ما جعل هوكشتاين يتردّد في طرح الأمر على الجانب الإسرائيلي. فالذين علّقوا آمالاً على دور الموفد الأميركي استندوا إلى نجاح تجربته في ترسيم الحدود البحرية قبل أكثر من سنة، وإلى تساهل «حزب الله» في هذا الصدد وإلى تجاوب إسرائيل مع المطلب الأميركي بإنجاز هذا الملف، لعلّ الأمرين يتكرّران مع الحدود البرية لضمان أسس ثابتة للتهدئة على الحدود الجنوبية…
بالعودة إلى العام 2006، فإن ما تضمّنه القرار الدولي في شأن الترسيم ومسألة مزارع شبعا، يقول رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي صاغ ما سمّي «النقاط السبع» لوقف الحرب وتضمّنت فكرة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا لتتولّاها قوات الأمم المتحدة ريثما يتمّ ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، إنّ العقبات التي حالت دون تبنّيها في حينها ظهرت كالآتي:
1 – أنّ الجانب الأميركي رفض تضمين القرار 1701 النقاط السبع، واشترط للقبول بذلك أن يصدر القرار تحت الفصل السابع، (تشريع استخدام القوة الخارجية لتنفيذ القرار). إلا أنّ السنيورة وحكومته رفضا ذلك في حينه، وتمّ الاكتفاء بالإشارة إلى النقاط السبع في نصه من دون اعتبارها من الفقرات التنفيذية.
2 – أنّ الدول والجهات التي رفضت النقاط السبع في حينها هي خمس: الولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، إيران، سوريا (لأنها تتضمن ترسيم الحدود) و»حزب الله»، على الرغم من أن هذه النقاط جرى إقرارها في مجلس الوزراء الذي كان «الحزب» ممثلاً فيه بوزيرين.
لم تتم إزالة تحفّظات الجهات الخمس المذكورة في شأن جوهر ما تتضمّنه النقاط السبع حتى تُبنى الآمال على التنفيذ «الكامل» للقرار، فحرب غزة المتواصلة في إطار أهداف إسرائيلية وغربية خبيثة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وأضافت تعقيدات جديدة على المسرح الإقليمي لها مضاعفات لم تتبلور نهاياتها بعد. فإذا كانت الضغوط الدولية الواسعة لم تفلح حتى الساعة في فرض وقف النار على إسرائيل في غزة، فمن الصعوبة بمكان توقع الوصول إلى وقف النار على جبهة جنوب لبنان، ما لم تحصل تسوية إقليمية دولية.
أقصى ما يمكن المراهنة عليه حالياً التنفيذ الجزئي للقرار، الذي يحتاج بدوره إلى تفاهمات محدودة بالمكان والزمان.