هل يمكن أن يتجه لبنان إلى طرح “الانتخابات النيابية المبكرة”؟ طرحت الفكرة قبل فترة، فعادت وخفتت. لكنها تعود لتضج في الكواليس السياسية والديبلوماسية مجدداً، بسبب الاستعصاء السياسي والرئاسي القائم.
ففي موازاة الانتظار اللبناني لما قد تحمله المساعي الخارجية بعد الاجتماع الخماسي في الدوحة، يسعى كل طرف داخلي إلى تحضير أوراقه. وفي ظل ما يعتبره بعض اللبنانيين بأنه تطويق للمسعى الفرنسي المنفرد، أو تجاوز التفرد الفرنسي في طرح فكرة المقايضة، ورفضاً لذلك، من الممكن أن يتم اللجوء إلى طرح فكرة الانتخابات المبكرة، لتجاوز الأزمة وإعادة رسم موازين قوى جديدة في البرلمان.
بين خيارين
إلى جانب هذه الفكرة التي ستأخذ مداها في المرحلة المقبلة، يبرز تجدد التحاور بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. وهو له مبرراته المتعددة. أولها، ما يعتبره رئيس التيار جبران باسيل ضمنياً بأن حظوظ سليمان فرنجية قد تضاءلت، فلا داعي لاستمرار الخلاف مع الحزب، ولا بد من التقارب معه، لتجنّب إمكانية وصول قائد الجيش جوزيف عون إلى الرئاسة، باعتباره خياراً ثالثاً ومطروحاً. ما يعني حاجة باسيل للحوار هي تمرير الوقت إلى ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش.
في المقابل، قد تكون وجهة نظر حزب الله من هذا التحاور هو الاستفادة من تنامي حظوظ قائد الجيش، في سبيل استقطاب باسيل إلى خيار فرنجية مقابل ضمانات ومكتسبات.
ما هو واضح أن الحزب غير جاهز على الإطلاق للبحث في خيار آخر غير فرنجية، وإن طالت الأزمة إلى أمد بعيد. بذلك، يضع باسيل بين خيارين، إما رئيس المردة أو قائد الجيش. وفي حال طال أمد الأزمة على استعصائها، من دون حصول تطورات فعلية وأساسية خارجية تحدث متغيرات داخلية، حينها يمكن طرح فكرة الانتخابات النيابية المبكرة، والتي يتم النقاش بها وحولها بين قوى داخلية، وبين بعض هذه القوى وجهات ديبلوماسية.. على قاعدة أن هذا المجلس النيابي بتوازناته الحالية لا يمكنه إنجاز عملية الانتخاب، طالما أن الطرفين المتناقضين يمتلكان القدرة التعطيلية، وفي ظل انعدام أي فرصة للتوافق أو التقارب أو الوصول إلى تسوية تكون مرضية للجميع.
حجر بالمياه الراكدة
من هنا يأتي طرح الانتخابات المبكرة، كرمي لحجر في مياه راكدة، فيحركها، إما لإحداث متغيرات في المواقف السياسية، وإما لإحداث طوفان قد يتمناه البعض في نتائج تلك الانتخابات بحال تمت. خصوصاً أنها ستحصل بناء على قواعد جديدة، كانت قد برزت في فترة الاختلاف الكبير الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، ومن ضمنها تسريبات عمد الحزب إلى إطلاقها لتطال باسيل، بأن الخلاف على فرنجية وعدم التوافق في الانتخابات الرئاسية يمكن أن ينسحب على الانتخابات النيابية أيضاً. والغاية من وراء ذلك التلويح لباسيل بعدم التحالف، ما ينعكس سلباً على حجم كتلته النيابية التي قد تتضاءل ما بين 4 و6 نواب، لصالح نواب مسيحيين آخرين يكونون على تحالف مع الحزب ويعززون “ميثاقية” لخياراته.
سنياً أيضاً، قد تؤدي هذه الانتخابات المبكرة إلى تغيير في بعض الموازين، نظراً للخلافات المستجدة بين قوى مسيحية والنواب السنّة، وخصوصاً على إثر توترات متعددة بدأت في القرنة السوداء، ولم تنته عند حدود تشريع بيع الخمر أو تعميمه، مروراً بالخلاف الكبير الذي ظهر في جلسة 14 حزيران. ما يعني إعادة الحزب العمل في سبيل تعزيز وضعيته السنية وفق طموحاته التي برزت في انتخابات 2022.
لا يمكن إغفال رهانات بعض القوى الحزبية أيضاً على إلحاق الضعف أو الضرر بنواب التغيير والسعي إلى تجاوز وجودهم البرلماني، انطلاقاً من العزف على خلافاتهم ونزاعاتهم، لإعادة تكريس واقع سياسي يعود بالبلاد إلى ما قبل 17 تشرين.