الرئيسيةمقالات سياسيةالاستفراد بغزة: “الحزب” بمساحة آمنة ولبنان إلى الانحلال

الاستفراد بغزة: “الحزب” بمساحة آمنة ولبنان إلى الانحلال

Published on

spot_img

في موازاة متابعة ومراقبة النتائج والتداعيات العسكرية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما سينجم عنها، لا بد من البحث في انعكاساتها على مستوى المنطقة، عسكرياً وأمنياً، والأهم سياسياً.
كل ما يجري حتى الآن هو محاولة أميركية إسرائيلية للاستفراد بقطاع غزة. وهذا كان واضحاً في تصريحات الأميركيين والإسرائيليين. فالأميركيون ومع إرسالهم لحاملات طائراتهم ومدمراتهم البحرية، كانوا واضحين في القول إنهم يريدون ردع إيران عن التدخل، أي توفير مظلة عسكرية وسياسية لإسرائيل لتنفيذ عملياتها. أما الإسرائيليون فقد أكدوا أكثر من مرة على لسان مسؤوليهم بأنهم لا يريدون توسيع الحرب وليس من مصلحتهم ذلك. ما يعني أيضاً، أنهم يريدون تحييد حلفاء حماس عن الانخراط في الصراع.

الاستفراد بغزة
هناك عناوين كثيرة يضعها الإسرائيليون لمعركتهم، ستكون في غالبيتها صعبة التحقق، وأولها مسألة إنهاء حماس عسكرياً وسياسياً. أما الأهداف غير المعلنة، فمنها محاولة تهجير الفلسطينيين من القطاع. وهذا مشروع قديم جديد ولا يزال مستمراً، ويهدف إلى التغيير الديمغرافي، بوصفه العامل الأساسي الذي يشكل تهديداً للإسرائيليين في فلسطين. وهناك أيضاً هدف إسرائيلي آخر يتمثل بتقويض أي مقومات لفكرة “حل الدولتين”.
في التركيز على سيناريو الاستفراد بقطاع غزة، تظهر أيضاً تصريحات أميركية وإسرائيلية تشير إلى مساع لعدم توسيع العمل العسكري، وذلك تجنباً للاستفزاز وفتح الجبهات الأخرى وتوسيعها. والهدف من وراء ذلك أميركياً وإسرائيلياً هو الاستفراد بحركة حماس، وبيئتها الحاضنة، عبر القصف العنيف والغارات المكثفة، وقطع سبل الحياة، بالإضافة ربما إلى ابتداء سلسلة عمليات تصفية واغتيال بحق قياداتها وفق الآلية الإسرائيلية الثابتة والتقليدية.
يترافق ذلك مع حملات سياسية وضغوط ديبلوماسية كبيرة على إيران من جهة، وعلى لبنان من جهة أخرى، من خلال رسائل التحذير والتهديد لحزب الله لمنعه عن الانخراط في الحرب. إلى جانب بروز موجة سياسية وشعبية عامة ومركزة، غايتها الضغط على حزب الله لعدم التورط في حرب شاملة، على قاعدة أن لبنان لا يتحمل في ظل ظروفه الاقتصادية وانهياره المديد، وباعتبار أن لا أحد سيقدم أي دعم أو مساعدة للبنان في حال تدميره نتيجة الحرب.
هذا أيضاً يندرج في سياق السعي للاستفراد في غزة وإبعاد حزب الله عن المعركة.

الحزب وتجنب الحرب
هذه الحملة ستمنح الحزب مثلاً، تبريرات كثيرة لعدم الانخراط والتصعيد وفتح المعركة بشكل مباشر، من خلال “التعاطي بمسؤولية” مع ما يجري. فمثلاً في لبنان هناك غالبية لا تريد الحرب، وترفع صوتها بوضوح، ما يجعل حزب الله في حالة استعانة بمثل هذه الدعوات في ظل هذه الظروف القاسية لبنانياً، لتبرير تردده.
وهذا ينسجم في المقابل مع ما يطرحه حزب الله من خطوط حمراء كشرط لعدم الدخول في المعركة. وهذه الخطوط هي الاجتياح البري، وكسر حركة حماس، وليس فقط التوغل. بالإضافة إلى عمليات التهجير الجماعي إلى خارج غزة. وهو أمر غير مقبول عربياً. ما سيعطي دفعاً لمنع حصوله. وبذلك يبقى الحزب في مساحة آمنة جداً، بعدم دفع تكاليف كبرى، وعدم الانجرار إلى الحرب، مع حفظه لدوره في تكريس توازن القوى أو توازن الردع مع الإسرائيليين من خلال العمليات التي نفذها.
على ضفة معارضي حزب الله، هناك من سيعتبر أنه تخلف عن الانخراط في حرب غزة، لتجنب دفع تكاليف قاسية وكبيرة، فيما هناك من سيخرج ليفسّر هذا الأمر بأنه نوع من المقايضة بين عدم الانخراط مقابل الحصول على مكتسبات سياسية في لبنان للحزب، ولإيران في المنطقة.

وقائع جديدة
سيلجأ الحزب إلى استراتيجيته العسكرية المضبوطة، والتي ستمنحه دوراً أكبر في المرحلة المقبلة سياسياً وعسكرياً، وهو ما يسعى إلى مراكمته من خلال إشراك فصائل أخرى في العمليات العسكرية من الجنوب، كما هو الحال بالنسبة إلى الجماعة الإسلامية، وفصائل فلسطينية، ولاحقاً لقوى وجهات أخرى. وهذا سيكرس وقائع جديدة ما بعد انتهاء المواجهات والمعارك العسكرية، إلى ارتداد أنشطة كل هذه التنظيمات إلى الداخل اللبناني، كنوع من السعي إلى تثبيت النفوذ وتوسيع هوامشه على كل الأراضي اللبنانية، وذلك كله تحت عنوان محاربة العدو الإسرائيلي. ما سيزيد ويرفع من منسوب الشرخ الداخلي، لا سيما في ظل تنامي خطاب سياسي واضح رفضاً للإنطلاق بالعمليات العسكرية من جنوب لبنان، أو رفضاً لما يسمى “توريط” لبنان في هذه الحرب. وهذا ما سيدفع الكثيرين إلى اعتماد مبدأ الانعزال أو الانفصال أو التقسيم، وهو “تراند” كلامي مستمر منذ الانقسام الكبير حول انتخاب رئيس للجمهورية، ورفض الرضوخ لإرادة حزب الله وانتخاب مرشحه.

انحلال لبنان
الحرب على غزة، وصمت المجتمع الدولي، مقابل دعم مباشر أميركي واوروبي، يسنح في تعميم نموذج إدارة التوحش، والذي سيكون له تداعيات عالمية. وهو لا بد أن يكون له آثار على واقع المنطقة، ومن ضمنها لبنان بعد سوريا والعراق وغيرهما. وسيؤدي إلى مزيد من الفوضى على المستوى العالمي، وربما تتفشى وتتوحش أكثر في مجتمعات المشرق العربي، ولا سيما على قاعدة “والضد يظهر حسنه الضد”.
في هذا المعيار، سيكون لبنان أمام خيارين، إما انحلال الدولة وصولاً إلى الاندثار بشكل كامل، مع سيطرة على الوقائع السياسية والشعبية، والمؤسسات الرسمية، وانحلال شامل للنظام القائم، ما سيزيد من نماذج التشرذم والتجزئة. وإما أن يؤدي هذا التحلل والضعف في الدولة المركزية ومؤسساتها إلى تعميم أفكار حول نماذج جديدة من قبيل الفيدرالية أو التقسيم الواقعي تحقيقاً للفصل بين المختلفين سياسياً (و”ثقافياً” حسب بعض التوصيفات).
تجنّب ذلك يبدو طوباوياً من خلال الرهان على عجائب، تؤدي لتكوين قوى قادرة على صوغ فكرة جديدة عن مفهوم الدولة والالتفاف حولها.

أحدث المقالات

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

المزيد من هذه الأخبار

“ربط الساحات” بين غزّة… والضاحية واليرزة!

تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة: – تجدّد...

بين “التيار” وبكركي لا قطيعة… ولكن!

تعثرت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتحسين علاقته بالبطريرك الماروني بشارة...

قطر طرحت سلّة كاملة وقدّمت ترشيحَيْ البيسري وحتّي

تكاد تكون قطر الدولة العربية الأكثر قرباً من «حماس» نظراً الى حسن علاقتها بها...

محمد رعد الجار والأب

تعود معرفتي بالنائب محمد رعد إلى ما يقارب أربعين عاماً. عرفت والده كرجل فاضل...

لودريان بعد هوكشتاين…”اطلالة” على الحدود والأفق الرئاسي المسدود

فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل...

إنقلاب عسكري بقيادة الجيش في 10 كانون الثاني؟

بعد الإنقلاب السياسي في 31 تشرين الأول 2022 بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الفراغ...

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن

دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور...

الفرنسيّون متمسكون بـ”مرشح ثالث” للرئاسة

يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت يوم الأربعاء في زيارة تستمر...

الإزدواجية العالمية: الفيلسوف الألمانيّ هابرماس يدعم إسرائيل

“إنّ حرب إسرائيل على غزة مبرَّرة مبدئياً” ولا يجوز وصفها بأنّها تشبه المحرقة أو...

الدور القطري يتكرس.. والحل اللبناني بمفاوضة “الحزب” أولاً

تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله...

سيناريو أميركي.. بنسخة إيرانية؟

نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى،...

معادلةٌ صعبة أمام “الحزب”… وخياران في ملفّ قيادة الجيش

يقف «حزب الله» أمام معادلة صعبة في حسمه خياراته لملء الشغور في قيادة الجيش...

“رئاسة” بعد الهدنة: المفتاح بيد الحزب

تستبعد أوساط مطّلعة أن يقود استئناف الحراك الفرنسي والقطري باتجاه لبنان إلى إحداث خرق...

جبهة لبنان معلّقة… ونية لاستئناف الحرب

بموازاة حالة عدم اليقين التي تلفّ مصير «الوقفة الإنسانية» للقتال والتي سمّيت هدنة قابلة...

الخشية من “غلاف الليطاني”

تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين...