قبل اتفاق الطائف كان رئيس الجمهورية يُجري استشارات لإختيار اسم الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة. هذه الإستشارات لم تكن إلزامية. فلا الرئيس ملزم بإجرائها وهو غير ملزم بالتقيد بنتيجتها ومن هنا سجلت حالات عديدة سمى فيها رئيس الجمهورية شخصية نالت عددا من الأصوات اقل من الأصوات التي نالها المرشح الطبيعي. ففي العام 1966 مثلا اختار الرئيس شارل حلو الرئيس عبد الله اليافي لتشكيل حكومته رغم ان الرئيس رشيد كرامي كان قد حصل على عدد اكبر من الأصوات وكذا الأمر في العهود الأخرى.
هذا الموقف الذي اتخذه بعض رؤساء الجمهورية اثار حفيظة عدد من الشخصيات السياسية اللبنانية وعلى رأسهم الرئيس صائب سلام الذي واجه مثل هذا الموقف حوالي اربع مرات. لكن قادة الرأي في حينه اعتبروا ان رئيس الجمهورية ليس صندوق بريد ولذلك هو غير ملزم بالنتيجة.
لكن هذا الوضع لم يعد على ما هو عليه بعد وثيقة الطائف التي انتجت دستور الطائف حيث ورد في الفقرة «2» من المادة «53» ان رئيس الجمهورية يسمي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه على نتائجها رسمياً.
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يعمد رئيس الجمهورية في كل مرة يريد فيها تشكيل حكومة الى تعيين مواعيد للإستشارات تكون في القصر الجمهوري، وهي المرة الوحيدة التي يمارس فيها النواب سلطتهم الدستورية خارج البرلمان حيث يسمي النواب اسم الشخصية التي يختارونها لرئاسة الحكومة وعند الإنتهاء من هذا الإجراء يُطلع رئيس الجمهورية رئيس مجلس النواب على النتيجة ويسمي الشخص الذي سيرأس الجكومة.
يتبين من قراءة المادة «53» من الدستور (فقرتها الثانية) ان الإستشارات النيابية ملزمة لرئيس الجمهورية بحيث لا يمكنه تسمية رئيس للحكومة اذا لم تكن هذه الإستشارات قد جرت. وكذلك يكون رئيس الجمهورية ملزماً بنتائج هذه الإستشارات،ويقال ان هذا الأمر جاء بضغط واضح من الرئيس صائب سلام خلال مناقشات الطائف لأنه هو من عانى ربما اكثر من غيره عندما لم يكن يكلف لرئاسة الحكومة مع انه يكون قد حصد اكثرية الأصوات.
بادىء ذي بدء يقتضي القول ان تسمية شخصية لرئاسة الحكومة هي صلاحية دستورية يملكها النائب الذي عليه ان يكون ملزما بتسمية من يقترحه لرئاسة الحكومة بإسمه وليس بصفته او مواصفاته. ولهذا السبب لا يحق للنائب ان يترك لرئيس الجمهورية حرية التسمية لأن الدستور لم يمنح النائب حق تفويض شخص آخر حتى ولو كان هذا الشخص الآخر هو رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب. ولهذا على النائب ان يسمي من يريد.
لهذا لا يحق للنائب ان يمتنع عن التسمية مهما كانت الأسباب لأن امتناعه هو امر غير دستوري ولا يجوز له ان يجعل من الإمتناع عادة دستورية والا صار الإعتكاف عملا من اعمال السلطة لا تقره قواعد الدستور هذا فضلا عن انه يشكل اساءة الى موقع رئاسة الجمهورية لأنها هي من دعت الى الإستشارات.
يضاف الى ما تقدم ان صلاحية التسمية هي صلاحية شخصية،اي انها خاصة بالنائب وحده ولا علاقة لكتلته النيابية بها. لذلك لا يحق للنائب ان يفوض رئيس الكتلة النيابية التي ينتمي اليها ان يسمي نيابة عنه.
صحيح ان الإستشارات النيابية الملزمة سهَّلت لرئيس الجمهورية اجراء الإستشارات الا أنها ذات انعكاسات سلبية بالغة الخطورة لأنها تنتهك مبدأ فصل السلطات وتجعل السلطة التشريعية وصية على السلطة الإجرائبة بدلا من ان تكون رقيباً عليها.