ساهمت صدمة حرب «طوفان الأقصى» في زعزعة ثقة النخب الإسرائيلية بقدرة الكيان الصهيوني على الإستمرار ردحاً آخر من الزمن، في محيط يكن العداء المستحكم، ومع شعب متمسك بأرضه رغم كل أنواع القمع والقتل والتنكيل التي يتعرض لها الفلسطينيون، شيباً وشباباً، نساءً وأطفالاً.
والمتتبع للنقاشات الدائرة في المنتديات الإسرائيلية، وعلى صفحات الجرائد اليومية، يلاحظ حجم الإحباط واليأس المهيمن على قادة الفكر والرأي في الكيان الصهيوني، ومدى الإنتقاد المرير الذي تتعرض له حكومة نتانياهو، بسبب سيطرة المتطرفين على قراراتها، والممارسات الإستفزازية التي تقوم بها جماعات بن غفير والوزراء المتطرفين في المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، والتي وصلت إلى حد البصق على مصلين مسيحيين في كنائس القدس.
الكاتب الأميركي توماس فريدمان نقل، في مقاله في نيويورك تايمز عن كاتب عمود مخضرم في صحيفة «بديعوت احرانوت» ناحوم بارنيا، يأسه وقرفه من حكومة نتانياهو، التي أوصلت الوضع الإسرائيلي إلي هذا الإنهيار، حيث قال له في اليوم الأول للحرب: هذا أسوأ يوم اتذكره من الناحية العسكرية في تاريخ إسرائيل، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم حرب الغفران ١٩٧٣، التي كانت فظيعة.
ويُضيف الكاتب الإسرائيلي وهو على علاقة جيدة بمراجع القرار في تل أبيب: عام ١٩٧٣ تعرضنا لهجوم من أكبر جيش عربي، مصر، أما اليوم فقد تم غزو إسرائيل في ٢٢ موقعاً من قوة صغيرة توغلت ١٥ ميلاً، وتغلبت على قوات الحدود، وأعادت رهائن إلى غزة من نفس الحدود، التي أقامت عليها إسرائيل جداراً أنفقت عليه مليار دولار. أليس هذا إذلالاً للجيش الإسرائيلي؟
وفي المقال نفسه، إستشهد فريدمان، المعروف بتأييده التقليدي للجانب الإسرائيلي ، بنتيجة حواره مع ناحوم بارنيا الذي ختم حديثه بالقول: كان تقييم المخابرات الاسرائيلية لتدريبات حماس سيئاً ومتغطرساً، لأنهم سخروا من إمكانية حماس تنفيذ مثل تلك التدريبات!!
وأمس نعى الكاتب الصهيوني الشهير آري شبيت الدولة الصهيونية في مقال عنوانه: إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة، جاء فيه: يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الإعتراف بحقوقهم وإنهاء الإحتلال.
بدأ شبيت مقاله بالقول: يبدو أننا إجتزنا نقطة اللاعودة، ولم يعد بإمكان إسرائيل إنهاء الإحتلال، ووقف الإستيطان، وتحقيق السلام، ويبدو أنه لم يعد بالإمكان إصلاح الصهيونية، وإنقاذ الديموقراطية، وتقسيم الناس في هذه الدولة. وإذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في هذه البلاد، ويجب فعل ما إقترحه(روغل ألغر) قبل عامين وهو مغادرة البلاد،… فقد إنتهى الأمر!
إنه الإحباط في ذروة إنتشاره في شرائح واسعة من الإسرائيليين.