إلى جانب العمليات العسكرية والأمنية التي ينفذها الإسرائيليون في جنوب لبنان، ويعطون من خلالها انطباعاً أنهم على استعداد لتصعيد المواجهة ورفع منسوبها، أو نقلها إلى مستوى العمليات الأمنية والاغتيالات.. تنطوي بعض الإجراءات المتخذة في الداخل الإسرائيلي والتي يتم الإعلان عنها، على نوع من الاستعراض، كقرار استنفار وتعزيز وضع مستشفيات الشمال، والحديث عن إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية نحو الحدود مع لبنان وغيرها. ويحاول الإسرائيليون عبر هذه التسريبات التلويح بأنهم يستعدون لشن عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان ضد حزب الله.
تجزئة المفاوضات
يريد الإسرائيليون من هذه الاستعراضات إعادة ترميم صورتهم الردعية، بالتزامن مع المفاوضات الدائرة عبر الأميركيين وغيرهم، لتكريس تفاهم يعيد الاستقرار في جنوب لبنان، ويوقف حزب الله عن شن المزيد من عملياته العسكرية. ويريد الإسرائيليون من خلال رفع مستوى التهديد، وزيادة التعزيزات العسكرية، القول إن تهديدهم بالحرب هو الذي فتح الباب أمام تكريس اتفاق سياسي لاحقاً، من شأنه إعادة الهدوء. وذلك يرتبط بحسابات داخلية، في ظل الصراعات القائمة والمتفاقمة حتى داخل الحكومة، أو بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش.
إلى جانب هذه الاستعراضات، يعتمد الإسرائيليون مبدأ تجزئة المفاوضات مع لبنان وتنويعها على أكثر من مستوى. الأول، هو المستوى الإسرائيلي المباشر عبر التهديدات والإعلان عن مناقشة خطط عسكرية لتنفيذ عملية برية. والثاني، باعتماد قنوات ديبلوماسية متعددة، لا سيما الأوروبيين، لإيصال رسائل تهديد كبيرة. فحسب المعلومات، شهدت الأيام الماضية نقل أربع رسائل إلى الجانب اللبناني بواسطة أربع جهات أوروبية مختلفة، تشير إلى أن الإسرائيليين يعملون بجدية على التحضير لخوض معركة عسكرية إذا لم يتوقف الحزب عن شن العمليات. في المقابل، كان حزب الله مطمئناً وواثقاً من أن كل ما يجري يندرج في سياق التهويل والتهديد. كما أنه موجّه إلى الداخل الإسرائيلي. ويبدو الحزب متيقناً من عدم اتجاه الإسرائيليين لتصعيد عملياتهم العسكرية في لبنان. لا بل يشير الحزب إلى انعدام القدرة الإسرائيلية على خوض هذه الحرب. ويستند إلى الكثير من التقارير الأمنية والعسكرية والصحافية الإسرائيلية، التي تؤكد عدم قدرة الجيش على خوض هذه المواجهة، لأنها ستكون أعنف بكثير من قطاع غزة.
المسار الأميركي
أميركياً، يبدو مسار التفاوض مختلفاً عن المسار الذي تعتمده تل أبيب مع الأوروبيين، خصوصاً أن الأميركيين يبدون أكثر هدوءاً وواقعية في توجيه الرسائل إلى لبنان وحزب الله، وفي الآلية التي يتفاوضون بها، بتغييب شعارات التهديد والتحذير، واعتماد مبدأ التفاوض على قاعدة المكاسب المتبادلة التي يمكن للطرفين تحقيقها. حتى أن بعض المسؤولين الأميركيين يستخفون بكل الطروحات والرسائل الأوروبية، ويعتبرون أن الحل في النهاية سيكون صناعة أميركية، والأوروبيون يحاولون استلحاق أنفسهم فقط، ليكونوا موجودين على الطاولة.
الهم الأساسي الذي تنطلق منه المفاوضات الحالية هو كيفية إعادة سكان المستوطنات الشمالية في إسرائيل إلى منازلهم. وبالتالي، معالجة وضع حزب الله في الجنوب. ويلوح الإسرائيليون بأنه في حال لم يلتزم الحزب بهذا التنسيق وإخراج السلاح الثقيل، فإنهم قد يلجؤون إلى استئناف العمليات الأمنية الخاصة، لاستهداف مواقع أو شخصيات من دون حرب واسعة. وهذا أسلوب يستخدم كجزء من التصعيد أو التهديد في تفاصيل المفاوضات الدائرة حالياً. فيما يطالب الإسرائيليون والأميركيون بضمانات بعدم قيام حزب الله بأي عملية هجومية مشابهة لعملية طوفان الأقصى.
اليونيفيل والجيش
من بين هذه الضمانات مسألة انسحاب حزب الله بقوته العسكرية الأساسية، وخصوصاً الأسلحة الدقيقة والصواريخ والمسيرات. ولكن هذا لا يعني أن ينسحب الحزب بشرياً من الجنوب. بعض الجهات الدولية تتحدث عن مسألة بقاء مسؤولي الحزب ومراقبيه العسكريين في البلدات الجنوبية، طالما أنهم أبناء هذه البلدات، ولكن من دون السلاح الثقيل أو المتطور. ويتم هذا بالتوازي مع مسار الترسيم البرّي.
أما الحديث عن ضرورة توسيع دور اليونيفيل في الجنوب ومنحها صلاحيات إضافية، فلا يبدو أن هذه الفكرة تلقى قبولاً لدى قوات الطوارئ الدولية. فهم لا يريدون تعريض جنودهم إلى الخطر. كما أن هذه القوات غير قادرة على فعل أكثر مما تقوم به حالياً. ولذلك، يتم البحث في كيفية تعزيز دور الجيش اللبناني، وإرسال المزيد من القوات إلى الجنوب، مقابل توفير المقدرات المالية اللازمة لهذا الأمر.
وهذا بالإضافة إلى توفير ظروف اقتصادية جيدة توقف الانهيار، ويتمكن من خلالها لبنان تمويل الجيش للحفاظ على الاستقرار والأمن. وبالتالي، ما لا تتمكن قوات اليونيفيل من القيام به سيتولاه الجيش اللبناني. وبحال لمست قوات الطوارئ الدولية أي أمر يرتبط بتحريك أسلحة، يبلغون الجيش، الذي يقوم بالتحرك.
مقابل كل هذا، فإن لبنان لا بد أن يحصل على مساعدات اقتصادية ومالية من أجل إعادة استعادة تعافيه، ربطاً بتسوية سياسية داخلية أيضاً.