يتراجع نسبياً احتمال “اندلاع” الحرب الشاملة في المنطقة. تتقدّم المساعي الديبلوماسية الدولية. أهداف عديدة يُراد تحقيقها من هذا الازدحام الديبلوماسي، أهمها الإفراج عن الأسرى لدى حركة حماس، في مقابل فتح ممرات للمساعدات الإنسانية. وبعدها يأتي البحث عن الوصول إلى وقف لإطلاق النار. وهو ما يرفضه العدو الإسرائيلي حتى الآن، إلى حين تحقيق إنجاز عسكري يريد فيه بعضاً من اعتباره.
سيناريو 1982
لا يبدو تحقيق الهدف بالأمر اليسير. رفع الإسرائيليون كثيراً من أهداف معركتهم أو حربهم، بالقول إنهم يريدون إنهاء حركة حماس. وهذا غير ممكن إلا باعتماد سيناريو حارق يتعلق بتدمير القطاع. وهو أمر سيكون مستحيلاً. حتى إذا ما فكر الإسرائيليون في اعتماد سيناريو اجتياح لبنان في العام 1982 وإخراج منظمة التحرير منها، فإن ذلك لم يؤد في حينها إلى انهاء المنظمة، والتي عادت واستكملت نضالها في سبيل الوصول إلى قلب فلسطين.
تحاول إسرائيل شحذ كل أساليب الدعم الخارجي، المعنوي، السياسي، الإعلامي والعسكري، في مقابل شيطنة حركة حماس وتصويرها بأنها “إرهابية”. إلا أن ذلك لا يبدو أنه سيكون متحققاً أيضاً. ففي السابق، لطالما تعاطت اسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة إرهابية، وخصوصاً في فترة اختطاف الطائرات وشن عمليات في دول عديدة، إلا أنها أجبرت فيما بعد على العودة والتعامل معها، وصولاً إلى الاعتراف الدولي بالمنظمة، وما تجلى لاحقاً بقيام سلطة فلسطينية داخل فلسطين.
أمام كل هذه الوقائع، تجد اسرائيل نفسها مطوقة بالكثير من المصاعب والمخاطر. فيما لا قدرة لها على خوض حرب واسعة أو شاملة في المنطقة. فهي حرب لا يريدها أي طرف. قد يكون الجنون الإسرائيلي هو في خيار استدراج حلفائها، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية إلى حرب واسعة، يتم استهداف فيها حزب الله في لبنان، وطريق إمداده من سوريا إلى العراق. وبالتالي، فإن الحرب ستصبح إقليمية. لكن ذلك لا يبدو أنه على جدول أعمال الأميركيين، ولا قدرة لأحد على تحمّل ذلك.
“مهلة” لإسرائيل
في مقابل هذه التهديدات والمواقف التصعيدية الكبرى، فإن الحركة الديبلوماسية الدولية الكثيفة والضاغطة، تتعزز في إطار السعي للبحث عن وقف لإطلاق النار، وهو ما يدور بين دول عديدة، أبرزها المملكة العربية السعودية، إيران، تركيا، قطر ومصر، والولايات المتحدة الأميركية ضمناً. وفي هذا السياق تندرج زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى المنطقة. وهو حضور يأتي في موازاة حضور وزير الخارجية الأميركي. هدف زيارة عبد اللهيان التأكيد على الموقف الإيراني لدعم فصائل محور المقاومة من جهة، والسعي إلى العمل في سبيل وقف إطلاق النار. خصوصاً أن لها قراراً أساسياً في هذا الصدد.
عملياً، تُعطى اسرائيل مهلة لا يمكن أن تكون مفتوحة لتوسيع حملتها على غزة، وصولاً إلى التفكير بالاجتياح البري، والذي إذا حصل وكان قاسياً على حماس والقطاع، فإن حزب الله سيلتزم بتهديداته، ويتدخل. وهذا ما ستحدده وقائع الميدان. بعد تلك المهلة ستتصاعد المبادرات الدولية لوقف اطلاق النار والتفاوض. وفي حينها ستكون حماس هي الجهة التي ستفاوض وتضع الشروط.
بمجرد ارسال حاملة الطائرات الأميركية ومدمرات عسكرية بحرية، وإعلان الأميركيين عن أن ذلك يرتبط برفع منسوب الردع، وعدم جعل إيران وحزب الله يتدخلان، فهذا بحد ذاته اعتراف من الأميركيين بقدرة التأثير الإيراني. في هذا السياق، يأتي نفي إيران الرسمي المتكرر لأي مشاركة لها في التخطيط أو خوض هذه المعركة، في إطار الوقوف على مستويين. الأول، قدرتها وانخراطها وتنسيقها من جهة في دعم المقاومة الفلسطينية. والثاني، هو القول للعالم أجمع أنها جاهزة للبحث عن حلّ. وبالتالي، هي الشريك الأساسي والفعلي في تحقيق ذلك. بذلك، ستتحول إيران إلى شريك في صناعة “إنجاز حماس” أو نصرها، وفي الوقت نفسه هي الحاجة الأساسية بالنسبة إلى الأميركيين والغرب، في سبيل الوصول إلى وقف إطلاق النار وعدم توسيع مروحة المعارك لتشمل جبهات أخرى.