الرئيسيةمقالات سياسيةإستقالة زعيم التقدمي الإشتراكي: قراءة في حكمة كمال جنبلاط بين الحزب والضمير

إستقالة زعيم التقدمي الإشتراكي: قراءة في حكمة كمال جنبلاط بين الحزب والضمير

Published on

spot_img

الحدث السياسي الأبرز على مستوى انتخابات الرئاسة في لبنان لم يكن في تبادل الإتهامات والوقاحات – بكل أسف – بين الأطراف المتصارعة في الأيام الأخيرة على لوغاريتمات الترشّح والمرشّحين، وذلك على وقع عملية حسابية وميثاقية بالغة الطائفية والتعقيد، بل كان في إعلان زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي «وليد جنبلاط» إستقالته من رئاسة الحزب ومجلس قيادته الحالي، ودعوته إلى مؤتمر انتخابي عام في الخامس والعشرين من حزيران المقبل على دعوات داخلية وخارجية لانتخابات رئاسية تسابق موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان «رياض سلامة»، حيث تم ربط هذه الاستقالة مباشرةً بموقف زعيم المختارة من انتخاب رئيس الجمهورية إلى جانب رؤيته في هذه المرحلة لدور نجله ووريثه السياسي «تيمور جنبلاط» رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي التي تضم تسعة أعضاء في المجلس النيابي اللبناني.
هذه الإستقالة كانت مفاجأة لكثيرين وتم وضعها من قبل العديد من الكتّاب والمحلّلين في إطار التعرض لضغوطات سياسية كبيرة أملت على رئيس الحزب اتخاذ القرار الصعب بالهروب إلى الأمام والخروج من السباق الكارثي بين أحصنة الطائفيّة في حرب الوصول الرئاسي إلى قصر بعبدا. وفي المقابل برز تأكيد مسؤولي الحزب على وضع الاستقالة في سياقها التاريخي ومسارها الطبيعي والديمقراطي بعد تخلي الوليد عن مقعده النيابي في الشوف لصالح ابنه تيمور الفائز في الانتخابات النيابية الأخيرة. ويبدو هذا التأكيد أقرب إلى منطق الأمور إذ لا يعقل أن يرمي الوليد الكبير بكرة النار الطائفيّة في هذه الحلقة من الدوران في الجحيم إلى النائب «تيمور جنبلاط» ولا سيما مع نفي القيادات الحزبية لما يشاع عن وجود خلافات بين القائد التاريخي الذي تولى رئاسة الحزب لستة وأربعين عاماً منذ استشهاد والده الكمال في العام 1977، وبين ابنه المرشح ليكون الرئيس الثالث في تاريخ الحزب خلفاً لوالده الذي اختار اللحظة التاريخية المناسبة للابتعاد بطريقته الخاصة عن التدخل بشكل مباشر في أزمة وطنية كبرى بدأت في التغوّل مع اصطفافات بشعة هي أبعد ما تكون عن ثنائيات أو تحالفات وطنية، بل هي أقرب إلى عصبيات مذهبية ومصالح هجينة بين أحزاب وقوى سياسية فقدت وازعها الأخلاقي وضميرها الوطني لحساب ولائها وتبعيّتها للخارج دون اكتراث بمصالح لبنان الحقيقيّة ومشروع بناء الدولة الذي تم ضربه مجدداً من خلال العبث بنصوص الدستور والحرب المستمرة على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.

يقول المعلم «كمال جنبلاط»: «إذا خُير أحدكم بين حزبه وضميره، فعليه أن يترك حزبه وأن يتبع ضميره؛ لأن الإنسان يمكن أن يعيش بلا حزب، لكنه لا يستطيع أن يحيا بلا ضمير». وكذلك لا يحيا الوطن بلا ضمير. لكن أين الوطن اليوم؟ وأين هذا الضمير؟ أين مؤسسات الدولة؟ أين بيروت والجبل وباقي المناطق من حق العيش بكرامة؟ أين الشعب والإرادة الحرّة المستقلّة ونبض الحياة في الوطن؟ للأسف لن تجد الروح والحياة في أي من ذلك جميعاً! ستجد فقط جماعات طائفية وسياسية، بعضها نفوسها مريضة، وبعضها مفتونٌ بقدرته على إلحاق الهزيمة بالآخر دوماً وإذلال شركائه في الوطن، وجماعات مختلفة معها وفيما بينها وغير قادرة على امتلاك قرارها، وربما ستجد فرصة وحيدة للنجاة من خلال الانسحاب أو الاستسلام. بين الحزب والضمير حكمة كمال جنبلاط أخذتنا إلى حيث يحيا الوطن والإنسان، وحكمتهم الضائعة أخذتنا ولبنان إلى الموت والجحيم.

كمال جنبلاط السياسي الوطني والإنساني والفيلسوف العابر بين الثقافات والشعوب والأديان، أسّس الحزب التقدمي الاشتراكي في العام 1949، وأعلن أن غاية الحزب هي السعي من أجل بناء مجتمع على أساس الديمقراطية الصحيحة، يسود فيه العدل والرخاء والسلم والحرية والطمأنينة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وظَلّ كمال جنبلاط على مواقفه ومبادئه الوطنية والقومية والإنسانية ثابتاّ ومسانداً كفاح مصر ضد العدوان الثلاثي في العام 1956، ونضال الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي. كما وقف إلى جانب مصر وسوريا والأردن بعد العدوان الإسرائيلي عليها في العام 1967، وأيّد القضيّة العادلة للشعب الفلسطيني ودافع عن حقوقه في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب.

إستقالة وليد جنبلاط زعيم التقدمي الإشتراكي تأتي اليوم في إطار وطني غابت فيه الحكمة الكمالية عن أحزاب لبنان والمنتمين إليها وجمهورها الطائفي فغدت أقرب إلى مجموعات يعوزها الوعي بالهوية الوطنية وبالضمير الإنساني، كما غابت فيه النضالات القومية والوحدوية من زمن القائد «جمال عبد الناصر»، وغابت فيه الرؤية الوطنية الإنمائية l عمل عليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في زمن الحضور العربي الكبير في لبنان. وهكذا كان المسار الانحداري للجمهورية منذ العام 2005 حتى بلغ نهايته في العهد الرئاسي السابق بعد خروقاته المتكررة للدستور وتعطيله لتشكيل الحكومات وفق الأسس الديمقراطية. والمفارقة في غياب وليد جنبلاط عن موقعه الطبيعي في رئاسة الحزب أنه سيبقى حاضراً وفاعلاً مؤثراً بكافة الصور الممكنة في الحياة السياسية اللبنانية كما كان منذ توليه رئاسة الحزب قبل أكثر من أربعة عقود ولغاية هذه المرحلة الإنتقاليّة والمفصليّة في تاريخ الحزب التقدمي الإشتراكي ولبنان.

أحدث المقالات

إنفراجات «خماسية» و«بلوكاج داخلي»: الإستحقاق في الثلاجة

في مقابل التحولات التي شهدتها مجموعة «لقاء باريس الخماسي» في أعقاب «لقاء نيويورك الثالث»...

هكذا جنّدت إيران مسؤولين أميركيّين للترويج لـ”اتّفاق نوويّ”

نظّمت إيران شبكة سرّيّة من "العملاء" على مستوى دبلوماسي عالٍ، بين عامَي 2014 و2015،...

إشارات استئناف التفاوض بين إيران وأميركا تشمل لبنان؟

يغرق اللبنانيون أكثر فأكثر في دوّامة البحث عن الرئيس: هل هو في اتفاق يحصل...

تسوية الحدود من يقبض ثمنها الرئاسي: “الحزب” أم عون؟

منذ أيام ويشهد الجنوب اللبناني حالة استنفار دائمة بين الجيش اللبناني من جهة، وجيش...

المزيد من هذه الأخبار

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

هل يهز “الحزب” العصا الرئاسية لباسيل؟

تصطدم دعوة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري للحوار بمقاومة سياسية تتزعمها قوى المعارضة...

اشتباكات دير الزور: الاستراتيجية الأميركية بخطر؟

على الرغم من انتهاء المواجهات المسلّحة في دير الزور بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)...

هل يخدم التمديد لقائد الجيش ترشيحه للرئاسة؟

كعادة انقسامهم حول جنس الملائكة، ينقسم اللبنانيون في مواقفهم وتقييماتهم لكل المسارات الداخلية والخارجية...

الحزب: قطر تسوّق لسلّة أسماء!

في لحظة انتقال "إدارة" الملفّ الرئاسي من الفرنسي إلى القطري وتقدُّم خيار المرشّح الثالث،...

قائد الجيش في مرمى “التيار”

عاد اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ليطرح كتسوية للأزمة الرئاسية المستمرة منذ نحو...

الامن والديموغرافيا والنزوح والحوار: هواجس اللبنانيين بلا أجوبة

توضع الملفات والاحداث اللبنانية المتزاحمة والطاغية على المشهد، في سلّة واحدة، فإما تقود المساعي...

 برّي: طاولة حوار كتل لا تفاهمات ثنائية وثلاثية

ما يقوله الرئيس نبيه برّي أمام زواره إن رفض البعض الحوار الذي يدعو إليه...

“أمر اليوم” الأميركيّ: بقاء جوزف عون في اليرزة!

في ظلّ "الكربجة" الرئاسية الكاملة وانتقال الخلاف على الملفّ الرئاسي من أروقة عين التينة...

  أبعد من المراوحة الرئاسية | لقاء نيويورك: إبقاء لبنان متعثّراً

بين لقاءَي نيويورك الأول والثاني، عام كامل حفل بأحداث ومبادرات رئاسية، فرنسية وقطرية. الثابت...

راقصة بوتين أو “جاسوسته” في لبنان

ليل 7 – 8 أيلول الجاري، كان المطار العسكري في قاعدة حميميم الروسية على...

بين عون و”السيّد”… رجالات العهد الذين انقلبوا ضدّه!

في جلسة خاصة جَمَعت شخصية قريبة من خطّ المقاومة مع الأمين العامّ للحزب السيّد...

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...