الرئيسيةمقالات سياسية  أبعد من المراوحة الرئاسية | لقاء نيويورك: إبقاء لبنان متعثّراً

  أبعد من المراوحة الرئاسية | لقاء نيويورك: إبقاء لبنان متعثّراً

Published on

spot_img

بين لقاءَي نيويورك الأول والثاني، عام كامل حفل بأحداث ومبادرات رئاسية، فرنسية وقطرية. الثابت الوحيد الذي يُخشى منه يتعلّق بمدى وجود رغبة بإبقاء لبنان متعثّراً إلى الحد الأقصى، وليس الأدنى، إلى أن تنضج فكرة حلّ ما له

أصبح مسلّماً به أنه لا يمكن التعويل على أي تقدّم رئاسي بعد فشل اللقاء الخماسي في نيويورك. ما لم يصبح بعد قيد الدراسة الجدية، كيف يمكن للبنان عبور فشل مبادرتين، فرنسية، والمرجّح قطرية، من دون أي ملامح خرق حقيقي على مستوى الحل الشامل؟ وكيف له أن يتعايش مع أزماته، الأمنية والاقتصادية، في وقت تلوح ملامح الرغبة في إبقائه في وضعية متعثّرة؟
عكس لقاء نيويورك، الخلاف الداخلي بين خطّين فرنسيين يعملان من دون تنسيق من أجل التقدّم برؤية نهائية. وهذا أمر لا بد من التعامل معه بحذر، لأنه يعكس استمرار الأخطاء الفرنسية، سياسياً ودبلوماسياً، في مقاربة ملف الرئاسة بطريقة متخبّطة. في المقابل، وفيما أتت فرملة الاندفاعة الفرنسية مجدّداً لتوجّه رسالة إلى باريس، لناحية تنشيط مساعي قطر على حساب دورها، إلا أنها رسالة تعني لبنان بالدرجة الأولى، لأن ما نُقل إلى مسؤولين فيه عن عدم التسرّع في الخروج بخلاصات مبكرة عن حوار سعودي – إيراني، أو تفاهمات أميركية – إيرانية محدّدة بالزمان والمكان، ثبتت صحته في نيويورك، إذ تأكّد مرة جديدة أن ملف الرئاسة لا يزال بين يدَي واشنطن والرياض حصراً. وعطفاً على ذلك، فإن ملامح الجو الخارجي توحي بأن احتمالات «قرار» إبقاء لبنان متعثّراً تزيد يوماً بعد آخر. أكثر من مرة، دار الحديث الجدي في أوساط دبلوماسية غربية، عن عدم التقاط حقيقة ما تريده واشنطن من لبنان، وهل يمكن لها أن تعمل على زيادة عوامل انهياره بعدما تخطّى الأمر الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار فيه، من أجل خلق واقع جديد؟ وهذا النقاش يأخذ بعداً أكثر جدية، مع الرسائل المتناقضة التي تحملها مواقف الدول الخمس التي تُعنى بأزمة الرئاسة، والتي كان يُفترض أن يحسمها موقف أميركي واضح من دون التباسات، وهو ما لم يصدر حتى الآن. وإعطاء مهل محددة لإنضاج حلول يبدو مستعصياً، في ظل مراوحة باتت معروفة، بين الأسماء والأهداف المرسومة للحل الرئاسي. لكنّ التعثّر المقصود، يفترض أيضاً إلقاء الضوء على احتمال أن لا يكون الحل المنشود رئاسياً فحسب، بل أن يكون منفتحاً على حلول لمشكلات متأصّلة سياسياً وأمنياً. وهذا يأخذ وقتاً لتفكيك رموزه وترجمته عملياً في ظل موازين القوى إقليمياً ومحلياً، لأن ما رسمه بيان نيويورك الأول وبيان لقاء الدوحة لا يزالان يمثلان غطاء سياسياً محدّداً، لم تتخذ واشنطن أو الرياض قراراً بتخطّيه.

*تأكّد مرة جديدة أن ملف الرئاسة لا يزال بين يدَيْ واشنطن والرياض حصراً*

يعيد التساؤل حول زيادة عناصر تعثّر لبنان عدم وجود أي علامات جديدة داخلية للتعامل مع أزماته المتصاعدة حدّتها، ولا سيما أن هناك مؤشرات يكثر الكلام عنها منذ أشهر لكنها لم تجد منفذاً لها، إذ لا يزال الكلام عن النزوح السوري موسمياً من دون الحلول الجدّية لمعالجته بأبعاده الأمنية، بعيداً عن مزايدات التهم التي تُوزع يميناً ويساراً حول التعامل مع النازحين. والتحذير الأمني من كثافة التهريب الحديث زمنياً وارتفاع عدد النازحين الجدد، أخذ مفعولاً «رئاسياً» أكثر مما نال حقّه في التعامل الجدّي مع الأعداد الوافدة إلى لبنان، والتوزّع جغرافياً في مناطق محددة. أما التعامل الأوروبي – الأممي مع موضوع النازحين وتحميل أعبائه للبنان عطفاً على تغذية الجمعيات «الإنسانية» استهداف تعامل لبنان مع النازحين، فكلّ ذلك يزيد من إشارات غير مطمئنة على مستوى تزايد عناصر التوتّر المفترضة. وأيّ تقليل من خطر موجات النزوح الجديدة، يعني تقليل فرص التعامل بجدّية مع ملامح غامضة لما يُعد للبنان عبر تشجيع ممارسات تسهيل استقبال النازحين وتوفير مناطق حماية لهم.

وما جرى في عين الحلوة الذي لم تنته أحداثه بما يفترض أن تنتهي عليه، يشي بأن النار الموجودة تحت الرماد، أُطفئت مؤقّتاً. وما كان مرسوماً للمخيم ومحيطه، أعاد الجنوب مجدّداً إلى الواجهة بعد توالي التوتر فيه، بعد شهور طويلة، من غيابه عن الحضور كعنوان أول. لكنّ توالي أحداثه الأمنية المتفرقة، وتسليط الضوء عليها، سواء من زاوية طبيعة التجديد للقوات الدولية أو تحديد النقاط الحدودية، كلّ ذلك وضعه تحت المجهر، في محاولة فهم ارتباط الأحداث الأمنية داخلياً، ومع إسرائيل، والكلام عن تجمّعات أصولية في عين الحلوة، في خطوط متشابكة، تتداخل فيها عوامل خارج الحدود اللبنانية.
كلّ ذلك يبدو للوهلة الأولى مجرد خريطة أمنية متفرّقة الأحداث، لكنها حين تتلازم مع تفكيك الوضع الرئاسي تصبح لها تأثيرات مختلفة، لا تعيد الأزمة الرئاسية إلى مربّعها الأول، بل تضاعف من احتمالات تشريع الأبواب على تحوّلات داخلية غير مسبوقة. وهذا لا يغطيه تحرّك موفدين يعملون على خط مبادرات رئاسية محدودة، فيما اللاعبون الأساسيون يملكون وحدهم سرّ تفكيك القطب الخَفية لأزمة مصير لبنان.

أحدث المقالات

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

المزيد من هذه الأخبار

“ربط الساحات” بين غزّة… والضاحية واليرزة!

تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة: – تجدّد...

بين “التيار” وبكركي لا قطيعة… ولكن!

تعثرت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتحسين علاقته بالبطريرك الماروني بشارة...

قطر طرحت سلّة كاملة وقدّمت ترشيحَيْ البيسري وحتّي

تكاد تكون قطر الدولة العربية الأكثر قرباً من «حماس» نظراً الى حسن علاقتها بها...

محمد رعد الجار والأب

تعود معرفتي بالنائب محمد رعد إلى ما يقارب أربعين عاماً. عرفت والده كرجل فاضل...

لودريان بعد هوكشتاين…”اطلالة” على الحدود والأفق الرئاسي المسدود

فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل...

إنقلاب عسكري بقيادة الجيش في 10 كانون الثاني؟

بعد الإنقلاب السياسي في 31 تشرين الأول 2022 بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الفراغ...

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن

دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور...

الفرنسيّون متمسكون بـ”مرشح ثالث” للرئاسة

يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت يوم الأربعاء في زيارة تستمر...

الإزدواجية العالمية: الفيلسوف الألمانيّ هابرماس يدعم إسرائيل

“إنّ حرب إسرائيل على غزة مبرَّرة مبدئياً” ولا يجوز وصفها بأنّها تشبه المحرقة أو...

الدور القطري يتكرس.. والحل اللبناني بمفاوضة “الحزب” أولاً

تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله...

سيناريو أميركي.. بنسخة إيرانية؟

نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى،...

معادلةٌ صعبة أمام “الحزب”… وخياران في ملفّ قيادة الجيش

يقف «حزب الله» أمام معادلة صعبة في حسمه خياراته لملء الشغور في قيادة الجيش...

“رئاسة” بعد الهدنة: المفتاح بيد الحزب

تستبعد أوساط مطّلعة أن يقود استئناف الحراك الفرنسي والقطري باتجاه لبنان إلى إحداث خرق...

جبهة لبنان معلّقة… ونية لاستئناف الحرب

بموازاة حالة عدم اليقين التي تلفّ مصير «الوقفة الإنسانية» للقتال والتي سمّيت هدنة قابلة...

الخشية من “غلاف الليطاني”

تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين...